للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بينّا أن البقعة فى ذاتها قبل البناء عليها كانت معروفة فى التواريخ القديمة، وقد أكد هذا المعنى ابن كثير، فقال إن بقعة البيت الحرام كانت معظمة من قبل بناء إبراهيم، فقال: «وكانت بقعته معظمة قبل ذلك معتنى بها، مشرفة فى سائر الأعصار والأوقات» .

وإن ذلك كلام حق إذ أن نص القران الكريم يوميء إلى أن البيت كان له مكان مقدر قبل أن يبنيه خليل الله تعالى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، وقد قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ «١» فكلمة بوأنا توميء إلى ان الله تعالى قدر لهذا البيت مكانا من قبل، وهدى إليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

وإننا إذ انتهينا إلى ما قرره ابن كثير وغيره من أن مكان البيت كان معتنى به، وكان معظما ومشرفا، قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنا قد نحسب أن تكون بناية قد أقيمت حوله للعناية به، ولحفظه من أن يضيع فى غيره، ولكن من هم الذين بنوه، وما مدى ما فعلوا؟ إن ذلك هو المسكوت عنه، والبحث عنه من غير وسائل معرفة من كتاب معصوم، أو تاريخ وثيق، رجم بالغيب وتظنن فى غير مظنة.

ولعل فضول العلم تجعلنا نتساءل أيهما بنى أولا، البيت الحرام أم المسجد الأقصي، فنجيب أنه من المؤكد أن البيت الحرام الذى بناه هو إبراهيم، وقيل إن الذى بنى بيت المقدس هو يعقوب حفيد إبراهيم، وقيل بنى من بعد ذلك، وقد ثبت فى الصحيحين عن أبى ذر: قلت: يا رسول الله، أى مسجد وضع أول: قال المسجد الحرام، قلت: ثم أى؟ قال: المسجد الأقصى» .

ولابد أن نتصور أنه بعد أن بناه إبراهيم خليل الله تعالي، قد جرت فيه إصلاحات كثيرة، فما كان بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليستمر قائما غير قابل للتهدم أكثر من ألفى سنة، فلم يكن كالأهرام بناه فرعون الذى اغتصب كل القوى فى بنائه، ولكن بناه إبراهيم الخليل هو وابنه الذبيح من غير أن يجرى فيه غصب حجر أو مدر أو وبر، أو قوة أى إنسان.


(١) سورة الحج: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>