التكامل الإنسانى فى محمد [صلى الله عليه وسلم] ١٢٨- نتقدم بهذا الباب من القول بين يدى المبعث المحمدي، لنتعرف من اختاره الله تعالى من بين خلقه رسولا للعالمين، وكيف قد أدبه الله تعالى بتأديبه الكريم، وخلقه كاملا، لأن رسالته دعوة إلى الكمال، فهو الكمال المطلق فى التكوين البشري، ونحن نريد أن نقدم ما كان من خلق فطري، لم يكسبه من الوحى الإلهي، وإن كان متطابقا مع ما جاء به الوحي، وما أدبه به القران، حتى كان خلقه المتين.
وكان كما قالت عائشة رضى الله تعالى عنها «خلقه القران» ، وما كان خلقيا بمقتضى التكوين كان متفقا مع ما جاء به الوحي، وما دعا إلى خلقه، وقاربوا فيه، ولم يصلوا إلى ما وصل إليه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
جاء فى كتاب الشفاء للقاضى عياض فى مقدمة كلامه فى أوصاف محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن خصال الجمال والكمال فى البشر نوعان: ضرورى دنيوى اقتضته الجبلة، وضرورة الحياة الدنيا، ومكتسب ديني، وهو ما يحمد فاعله، ويقرب إلى الله تعالى زلفي، ثم هى على فئتين أيضا، منها ما يتخلص لأحد الوصفين، وما يتمازج ويتداخل.. فأما الضرورى المحض، فما ليس للمرء فيه اختيار، ولا اكتساب، مثل ما كان فى جبلته عليه الصلاة والسلام من كمال خلقته، وجمال صورته، وقوة عقله، وصحة فهمه، وفصاحة لسانه، وكرم أرضه، ويلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه من غذائه ونومه وملبسه ومسكنه ومنكحه وماله وجاهه.
وأما المكتسبة الاخروية، فسائر الأخلاق العلية والفضائل الشرعية من الدين، والعلم والحلم، والصبر والشكر، والعدل، والزهد، والصمت والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الخلق، والمعاشرة وأخواتها، وهى التى جماعها حسن الخلق» .
ونرى من هذا أن القاضى عياض قد قسم الأوصاف التى تحلى بها النبى عليه الصلاة والسلام قسمين: أحدهما- كان بالفطرة الإنسانية وهى كمال الفطرة، ويلحق بها أوصافه الجسمية صلى الله تعالى عليه وسلم- وثانيهما ما اكتسبه بمقتضى التعاليم الشرعية، وذكر منها التواضع والحلم، والصبر والشكر، وحسن المعاملة. وبشكل عام ما يتعلق بحسن الأخلاق الذى هو جماع الفضائل الإنسانية، ويذكر أن من هذه الصفات المكتسبة بحكم الشرع الشريف والوحى إليه مما تلتقى فيه الفطرة المستقيمة مع الوحي، فالجود والتواضع والصبر والفصاحة، والتأني، وحسن التأتى للأمور، والرفق فى القول والعمل، ولين الجانب من غير ضعف، والقول الحق من غير عنف، كل هذه الصفات كانت فى محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم. كانت فيه بفطرته المستقيمة، وبتهيئة الله تعالي، قبل الرسالة، إعدادا لهذا المنصب الخطير، وهو رسالة الله تعالى إلى خلقه.