وكان لفرط وفائه إذا رأى أحدا من أولادها من غيره فاض عليه بالعطف والحنان، إذ قد سمع صوت ابنها هالة قد جاء إليه، فخرج إليه مناديا فى لهفة فرح: هالة، هالة.. وأكرمه، وبالغ فى إكرامه.
(ب) ومن أوضح وفائه عليه الصلاة والسلام وعرفانه للجميل ما روى عن أبى قتادة أنه لما جاء وفد النجاشى ملك الحبشة الذى اوى أهل الهجرة إلى الحبشة وأكرمهم- قام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يخدمهم بنفسه، فقال له أصحابه: نكفيك يا رسول الله خدمتهم. فقال محمد صلى الله عليه وسلم الوفى العارف للجميل:«إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وأحب أن أكافئهم» .
نعم إن محمدا عليه الصلاة والسلام يجازى الإحسان بمثله، وإلا ضاع العرف بين الناس، وهو أسوتهم.
(ج) ومن كريم وفائه، ولطف مودته وعدم نسيان من ارتبط معهم برباط من مودة وعشرة مهما يتباعد زمانها، فإن الكريم لا ينسى عشرة من عاشرهم ضعفوا أو علوا، قدم عهداهم، أو قرب، وقد وجد أختا له من الرضاع اسمها الشيماء من سبايا هوازن، فتعرفت له، فلما عرفها، بسط لها رادءه، وقال لها إن أحببت أقمت عندى مكرمة محببة، أو متعتك ورجعت إلى قومك، فاختارت قومها، فأرسلها.
وعن عمرو بن السائب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان جالسا يوما، فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه، فقعد عليه، ثم أقبلت أمه، فوضع لها شق ثوبه من الجانب الاخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة، فقام صلى الله تعالى عليه وسلم فأجلسه بين يديه.
(د) وأنه ليوفى حتى لمن فرح بولادته، فقد كانت جارية لأبى لهب قد أرضعت النبى عليه الصلاة والسلام أول ولادته، وخرجت فبشرت أبا لهب بالولادة، وأعتقها أبو لهب لهذه البشارة. فكان محمد صلى الله تعالى عليه وسلم يبعث إليها بصلة مستمرة موصولة ما كانت حية، فلما ماتت سأل عمن بقى من ذوى قرابتها، قيل: لا أحد.
ولقد كان فى جملة أخلاقه أنه يصل رحمه، ولو لم يكونوا له نصراء وأولياء، فهو لا يصل رحمه مكافئا، ولكن يصلهم راحما، وقد روى أنه عليه الصلاة والسلام قال عن بعض ذوى رحمه:«ليسوا لى بأولياء غير أن لهم رحما سأبلها ببلالها»«١» .