للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠- فالمسيحية إبان القرن السادس الميلادى قد ضعف الإيمان بها، لكثرة الجدل فيها، ولم تكن قد استقرت الأفكار حولها، واقتصرت على اتجاه معين من اتجاهاتها.

فابتدأت أولا باضطهاد الوثنية لها، وتجسس اليهود على النصاري، واختفى المسيحيون فى أكنان من أرض الروم وفلسطين مستسرين بعقائدهم. وكلما ظهر فريق منهم قوبل بالاضطهاد، والأذى المرير، وتبارى فى ذلك ملوك الرومان، وقد جعلوا عمل أمرائهم الذين يرسلونهم هو ذلك الأذى ليئدوا ذلك الدين الجديد فى مهده، ويقبروه فى حجر ولادته.

وقد تكاثرت المصادر الدالة على ذلك الاضطهاد، وقد جاء فى كتاب (تاريخ الحضارة) ما نصه «قد كتب بلين وكان واليا فى اسيا إلى الإمبراطور تراجان كتابا يدل على الطريقة التى كان يعامل بها المسيحيين قال: «جريت مع من اتهموا بأنهم نصارى على الطريقة الاتية، وهو أنى أسألهم إذا كانوا مسيحيين، فإذا أقروا أعيد عليهم السؤال ثانية وثالثة مهددا بالقتل، فإن أصروا أنفذ فيهم عقوبة الإعدام مقتنعا بأن غلطهم الشنيع، وعنادهم الشديد يستحقون بهما هذه العقوبة، وقد وجهت التهم إلى الكثيرين بكتب لم تذيل بأسماء من كتبوها، فأنكر المتهمون أنهم نصاري، وكرروا الصلاة على الأديان الذين ذكرت أسماءهم أمامهم، وقدموا الخمور والبخور لتمثال أتيت به عمدا مع تماثيل الأديان، بل إنهم شتموا المسيح، ويقال إنه من الصعب إكراه النصرانى الحقيقى على شتم المسيح، ومنهم من اعترفوا بأنهم نصاري، وكانوا يقرون بأنهم يجتمعون فى بعض الأيام قبل طلوع الشمس على العبادة، وعلى إنشاد الأناشيد إكراما للمسيح، وتعاهدوا بينهم لا على ارتكاب جرم بل على ألا يسرقوا ولا يقتلوا ولا يزنوا وأن يوفوا بعهداهم، ورأيت من الضرورى أن أعذب امرأتين ذكرتا أنهما خادمتا الكنيسة، بيد أنى لم أقف على شيء سوى خرافة سخيفة» .

وقد كثر الاضطهاد، وكان نيرون يجعل من النصارى مشاعل تسير فى موكبه، إذ يطليهم بالقار، ويشعل فيهم النار. وتسير تلك الشعلة فى احتفاله بنفسه.

وأوقع دقلديانوس بنصارى مصر أشد الاضطهاد، وأنزل بهم العذاب، وقتل فى مصر المسيحية التقتيل الذربع الماحق، حتى أنه اعتبر تاريخ ذلك العذاب هو ابتداء التاريخ القبطى.

٢١- وبعد زوال الاضطهاد ظهرت الخلافات على أشدها، فكانت بقايا الواحدانية تظهر على لسان أريوس، ومعه أكثر كنائس الشرق، وأكثر الكنائس فى فلسطين، وكثير من كنائس مصر.

ولما أراد قسطنطين أن يدخل فى النصرانية جمع مجمع نيقية سنة ٣٢٥ م وأعلن ثمانية عشر وثلاثمائة من المجتمعين ألوهية المسيح، فأخذ بقولهم مع أن المجتمعين ابتداء فى المجمع كانوا يبلغون ٢٠٤٨ أو يزيدون، ولكن أراد أن تتغير المسيحية إلى ما يقرب من الفلسفة والوثنية على أن يبقى اسم المسيحية وإن خلت من لبها، وهى الواحدانية التى تحارب الوثنية.

<<  <  ج: ص:  >  >>