للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونرى من هذا أن الرموز كانت للأماكن، وبتبيين الرسل الذين بعثوا فيها، ومجيء الرب بالبداهة هو مجيء رسالاته، فإن الله تعالى لا ينزل بذاته انما تنزل هدايته، ويجيء أمره ونهيه على ألسنة رسله، وقد ذكرت أماكن ثلاثة هى سينا، وقد جاء من طريقها كليم الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام ومجيء رسالة الله تعالى إلى فلسطين حيث ولد سيدنا عيسى عليه السلام بالناصرة، من فلسطين انبعث نور رسالته عليه السلام، ومجيء رسالة الله من فاران حيث مكة المكرمة زاد الله تعالى نبيها تشريفا وتعظيما.

كانت هى ما نزل على محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

ويقول صاحب كتاب خير البشر فى بيان تبشير التوراة بالنبى محمد عليه الصلاة والسلام:

قرأت فى ترجمة للتوراة لموسى عليه السلام، جاء فيها، والله ربك مقيم نبيا من إخوتك، فاستمع له كالذى سمعت ربك فى حوريب يوم الاجتماع حين قلت: «لا أعود أسمع صوت ربى لئلا أموت، فقال الله تعالى لى. نعم ما قالوا. وسألتم لهم نبيا من إخوتهم، وأجعل كلامى فى فمه، فيقول لكم كل شيء امره به وأيما رجل لم يطع من تكلم باسمى فإنى أنتقم منه» .

ونلاحظ هنا أنه ذكر أن الرسول سيكون من إخوة بنى إسرائيل، لا منهم، ولا تكون هذه الأخوة إلا من بنى إسماعيل، أخى إسحاق الأكبر، فإن هؤلاء هم الذين يقال لهم إخوة، وعيسى ومن قبله داود، وسليمان وغيرهما، لا يقال لهم إخوة بنى إسرائيل إنما يقال عنهم أبناء إسرائيل، لأنهم من يعقوب ابن إسحاق، ويقول صاحب كتاب (خير البشر) «قوله أجعل كلامى فى فمه، واضح فى أن المقصود به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن معناه أن الله تعالى يوحى إليه بكلامه (أى الله) فينطق به، أى يوحى إليه بالقران فينطق به» «١» .

١٧٦- وإذا كانت هذه الإشارات الواضحة في التوراة، فإن في الإنجيل مثلها، بل ما هو أكثر وضوحا منها، فقد ورد التبشير، بالبارقليط في الإنجيل، وإن الترجمة الحرفية لهذه الكلمة العبرية هي أحمد، فهو مطابقة من حيث المعني التبشيرى بأحمد، وقد جاء القران الكريم بالذي بشر به عيسي عليه السلام اسمه أحمد، إذ قال سبحانه: «ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» وقد جاء في الأناجيل علي لسان عيسي عليه السلام: «إن أجبتموني فاحافظوا وصيتي، وأنا أطلب إلى أبي فيعطيكم بارقليط اخر يكون معكم الدهر كله» .


(١) راجع السيرة العطرة- للأستاذ عبد العزيز خير الدين، وخير البشر لابن ظفر ص ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>