للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد روى عن عبد الله بن سلام الصحابى أنه قال: لما أراد الله تعالى هدى زيد بن سمية، قال:

لم يبق شيء من علامات النبوة إلا عرفتها فى وجهه صلى الله تعالى عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين، لم أخبرهما منه، يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فكنت أتلطف له لأن أخالطه، فأعرف حلمه وجهله» فذكر قصة إسلافه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم مالا فى ثمرة.

قال: فلما حل الأجل أتيته، فأخذت بمجامع قميصه وردائه، وهو فى جنازة مع أصحابه، ونظرت إليه بوجه غليظ، وقلت: يا محمد، ألا تقضينى حقى، فو الله علمتكم يا بنى عبد المطلب لمطل. فنظر إلى عمر، وعيناه تدوران فى وجهه كالفلك المستدير، ثم قال: يا عدو الله أتقول لرسول الله عليه الصلاة والسلام ما أسمع، وتفعل ما أرى، فو الذى بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفى رأسك، ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ينظر إلى عمر فى سكون وتؤدة، وتبسم ثم قال: أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر: أن تأمرنى بحسن الأداء، وتأمره بحسن الطلب، اذهب به يا عمر، فاقضه حقه وزد عشرين صاعا من تمر، فأسلم» .

١٨٥- هذه نقول تاريخية ثابتة تبين أن العصر الذى بعث فيه عليه الصلاة والسلام كان عصرا يدور فيه كلام حول نبى يرسل، وقد كان لهذا الكلام مصدران:

أولهما- ما كان يحاوله الذين أرادوا إحياء ملة إبراهيم عليه السلام، فقد كان بعض من أهل مكة المكرمة يؤمنون بضرورة إحياء ملة إبراهيم الحنيفية السمحة، وقد وجدوا بفطرتهم أن الله لا يدع ذربة إبراهيم بورا لا هادى يهداهم، ولا مرشد يرشدهم. وقد رأيت من خرجوا على أقوامهم، واطمأن بعضهم إلى النصرانية فدخلوها، وبعضهم أخذ يطوف فى الأرض حيث يبحث عن عقائد سليمة لا تدخلها الوثنية، ومات شهيدا فى طلب الحقيقة، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم من بعد بعثته أن الله تعالى سيبعثه أمة واحده، فرضى الله تعالى عنه.

ثانيهما- الكتب السابقة، وأقوال الأحبار والرهبان، وعلماء الأخبار من اليهود والنصارى، فبحيرى الراهب كان قد لقى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم غلاما، وطبق الأوصاف التى لديه، ونسطورا الراهب قد لقيه وهو شاب، كانت أخبار اللقاءين تذيع وتشيع عند العرب، وفوق ذلك كان نصارى نجران وغيرهم يذكرون للناس ترقبهم لنبى منتظر، كانت أوصافه لديهم وكان محمد أكثر ذكرا، لا أنهم يريدون إعلان حقيقة، أو ابتغاء هداية، بل شفاء غيظهم، وإطفاء نار حقدهم أو التمادى فيه، فقد كانوا يعلنون ذلك عندما تحز فى أجسامهم سيوف الوثنيين، فيذكرون خبره، ويقولون: سنقتلكم معه، كما قتل عاد وإرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>