للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الرق قد جرى عليه بالطريقة الجاهلية، إذ قد أخذته جماعة من الفرسان وهو ابن ثمانى سنوات، وباعوه فى سوق من الأسواق، وال أمره إلى خديجة أم المؤمنين، ثم وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عبدا له على مقتضى ما كان عليه الناس إبان ذاك.

وقد جزع أبوه عليه جزعا شديدا، وبكى لفقده، وقد قال فى ذلك شعرا جاء فيه:

بكيت على زيد وما أدرى ما فعل ... أحى فيرجى أم أتى دونه الأجل

فو الله ما أدرى وإنى لسائل ... أغالك بعدى السهل أم غالك الجبل

ويا ليت شعرى هل لك الدهر أوبة ... فحسبى من الدنيا رجوعك لى بجل «١»

تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا غربها أفل «٢»

وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فياطول ما حزنى عليه وما وجل

سأعمل نص العيس فى الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل «٣»

حياتى أو تأتى على منيتى ... فكل امرئ فان وإن غره الأمل «٤»

أخذ يبحث عنه فى طول بلاد العرب، حتى عثر عليه عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل البعثة، ومحمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم عدو الرق بفطرته لم يرد أن يحتجنه عنده غير مختار، فخيره بين أبيه والمقام عنده، وقال: إن شئت فأقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك.

ولكن الشاب قد اختار له، فاختار أن يقيم مع محمد صلى الله عليه وسلم وهو يلمح نور النبوة عن الحرية مع أبيه واله، ولكن أباه أخذ يلومه، فقال له: «يا زيد تختار العبودية على أبيك وأمك» فقال ابن الكريم. «إنى قد رأيت من هذا الرجل شيئا، وما أنا بالذى أفارقه أبدا» .

عند ذلك الوفاء أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده، وقام إلى الملأ من قريش، فقال:

اشهدوا أن هذا ابنى وارثا ومورثا.

رأى أبوه ذلك فطابت نفسه، وكان يدعى زيد بن محمد، فلما ألغى التبنى وقال تعالى فى المتبنين:

ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ «٥» .


(١) بجل بمعني حسم أي حسم الشئ وأنهاه.
(٢) الأرواح جمع ريح، والوجل الخوف.
(٣) النص السير الكثير الشديد.
(٤) الشعر في سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٤٨.
(٥) سورة الأحزاب: الاية ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>