أخذ العدد ينمو بفضل الله، وإخلاص صفوة مختارة ممن صفت نفوسهم، واستقامت قلوبهم حتى بلغ العدد ثمانية وثلاثين، ومنهم نساء دخل الإسلام قلوبهن، ومنهم أم جميل أخت عمر بن الخطاب، وزوجها زيد بن نفيل كان من السابقين الأولين.
وقد أراد أبو بكر أن يخرج المسلمون مجاهدين بالدعوة إلى الإسلام قبل أن يتكاثر الجمع، ولكن محمدا عليه الصلاة والسلام صاحب الدعوة والتبليغ رأى التريث، حتى يكون الجمع أوفر وأكثر عددا، لأنه مع العدد عزة الكثرة النسبية، وإن كانوا فى الحقيقة عددا قليلا، ولكن الصديق مازال بمحمد عليه الصلاة والسلام حتى قبل أن يخرجوا من الاستخفاء إلى الإعلان، ويظهر أن الدعوة قد أعلنت بإنذار العشيرة الأقربين، وتذاكر الناس أمرها، ولكن يندر فيهم من يتقبلها، ويكثر فيهم من يعارضها، ومنهم من لم يعرف لهم موافقة ولا مناوأة.
ومهما يكن فقد خرج أبو بكر، ومحمد عليه الصلاة والسلام قام بعمل جليل قبل ذلك الخروج، فقد انبعث كل رجل إلى عشيرته يدعو إلى الإسلام فيها، وخرج محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه أبو بكر إلى المسجد الحرام، ثم قام أبو بكر خطيبا، ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالس. وقال ابن كثير فى روايته ما نصه: كان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله (أى بعد النبى صلى الله عليه وسلم) ، وثار المشركون على أبى بكر وعلى المسلمين فضربوه فى نواحى المسجد ضربا شديدا، ووطيء أبو بكر، وضرب ضربا شديدا «١» .
بعد ذلك، وخصوصا بعد إعلان الإسلام فى مخاطبة بنى هاشم، وبنى عبد المطلب عند الصفا، أخذ الإسلام ينتشر انتشار الضوء فى الظلام، فأسلم بنو مظعون من أولاد كعب بن لؤى، وأسلم عبيدة بن الحارث بن المطلب وسعيد بن زيد بن نوفل، وامرأته فاطمة، أخت عمر بن الخطاب، وعمير بن أبى وقاص، وعبد الله بن مسعود الهذلى، وأسماء بنت أبى بكر- وهكذا غيرهم من أهل مكة الأحرار، وإن لم يكونوا ذوى مال وذوى رياسة.
ومن الضعفاء، وقد كانوا أسبق إلى الإسلام عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصديق، وهو مولى لأسد اشتراه أبو بكر رضى الله عنه.
ومنهم صهيب بن سنان، ويقال أنه مولى عبد الله بن جدعان، ويقال أنه رومى، ونسب إلى الروم، لأنه كان أسيرا فى أرض الروم.