للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقط، فقد كان ثمة عبيد آمنوا، وكانوا فى مهنة مالكى رقابهم، ومنهم من كان يعذب العذاب الأليم ليفتن عن دينه، ويكره على الخروج منه.

ومن المؤمنين من كان يؤمن، ويخفى إيمانه عن أهله. أبيه وأمه وأخيه فرارا بدينه من أن يمنى بملام أو تعذيب، فقد كان أهل كل بيت كان فيه من دخل فى الإسلام، يأخذ ذلك المسلم بالتأنيب واللوم الزاجر، ثم ينتقل الأمر من اللوم إلى التعذيب، إن استرسلوا فى غوايتهم، ولم يكن ما يمنعهم من رحم شفيقة، أو قوة عزيمة ممن منحه الله تعالى الإيمان، واعتصم ببرد اليقين.

ولم يكن المسلمون يجهرون بقراءة القران الكريم خوف الأذى إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد كانت دعوته وتبليغ رسالة ربه توجبان عليه أن يجهر مهما يكن الأذى الذى ينزل به. فإن الله تعالى عاصمه من الناس، وما كانت قريش تستطيع دفعه، بل إنهم كانوا يتناهون فيما بينهم أن يسمعوه، ولكنهم يذهبون خفية ليسمعوه، يذهب كل واحد مختفيا عن جماعته ثم يلتقون فى الاستماع إليه، وقد تناهوا، ولكن كل واحد خالف ما اتفق عليه معهم، ويحسب أنه المخالف واحده، وإذا هم جميعا مختلفون وإذا هم جميعا ناقضون لما اتفقوا.

ويذكر الرواة أن أول من جهر بالقران الكريم بعد النبى عليه الصلاة والسلام، يروى ابن إسحاق عن عروة بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام أنه قال: كان أول من جهر بالقران الكريم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه قال: «اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القران يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعونه؟ قال عبد الله بن مسعود: أنا أسمعهم، قالوا إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من العدو إذا أرادوه. فقال: دعونى، فإن الله تعالى سيمنعنى، فعاد ابن مسعود حتى أتى المقام فى الضحى وقريش فى أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ رافعا صوته.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ «١» ثم استقبلهم يقرؤها، قال فتأملوه فجعلوا يقولون ماذا قال ابن أم عبد، ثم قالوا إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه، فجعلوا يضربونه فى وجهه، وجعل يقرأ، حتى بلغ منها ما شاء الله تعالى أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه، وقد أثروا فى وجهه، فقالوا له: هذا الذى خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون على منهم الان، ولئن شئتم لأعاودنهم بمثلها غدا، قالوا: حسبك حسبك أسمعتهم ما يكرهون


(١) سورة الرحمن: ١- ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>