وإنى أدعوك إلى الله واحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعنى فتؤمن بى وبالذى جاءنى، فإنى رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمى جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤك فأقرهم، ودع التجبر، وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحته والسلام على من اتبع الهدى» .
هذا كتاب فيه متابعة لأمرين:
أولهما- أنه يدعو إلى الإسلام، فهو يتابع دعوته حيث تجد المناسبة والرجل المناسب، وقد وجد فيه قلبا مفتوحا يدخل فيه الحق مزدلفا، لأن العادل يستمع إلى الحق، وهو يكون ممن يستمعون إلى الحق فيتبعون أحسنه، وقد استجاب لدعائه، وامن بمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وقد أجاب دعوة النبى عليه الصلاة والسلام إلى الإسلام وكتب إليه عليه الصلاة والسلام يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشى الأصحم بن أبجر سلام عليك يا نبى الله من الله، ورحمة الله وبركاته، لا إله إلا هو الذى هدانى إلى الإسلام فقد بلغنى كتابك يا رسول الله، فيما ذكرت من أمر عيسى، فو رب السماء والأرض إن عيسى عليه السلام ما يزيد على ما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقربنا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صدقا ومصدقا، وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وأرسلت إليك بأريحا بن الأصحم ابن أبجر، فإنى لا أملك إلا نفسى، وإن شئت أن اتيك فعلت يا رسول الله، فإنى أشهد أن ما تقول حق» .
ونرى من هذا أنه أرسل ابنه فى وفد من الحبشة للالتقاء بالنبى عليه الصلاة والسلام، وبيان الخضوع لطاعة الله ورسوله.
الأمر الثانى- هو متابعته العطف على الذين هاجروا، فقد دعاه عليه الصلاة والسلام إلى الإحسان إليهم فى إقامتهم وألا يرهقهم بتجبر ذوى السلطان.
وإنه لفرط محبته عليه الصلاة والسلام للذين هاجروا، ولإحساسه بوجوب الوفاء، وشكر من يستحق الثناء، والمقابلة الحسنة بمثلها على الأقل فإن النبى عليه الصلاة والسلام عندما جاء الوفد الذى بعثه، كان عليه الصلاة والسلام يقوم بخدمته بنفسه، فقد روى البيهقى بسنده عن أبى أمامة قال:«قدم وفد النجاشى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقام يخدمهم عليه الصلاة والسلام، فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله، فقال إنهم كانوا لأصحابى مكرمين، وإنى أحب أن أكافئهم» .