للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: أن مقتضاه أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يقرأ قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى زاد بتأثير الشيطان «تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى» فلما أتم السورة تلاوة ووصل إلى قوله تعالى: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا سجد سجدة التلاوة فسجدوا معه.

وذلك باطل بلا ريب ومستحيل أن يقع لأن الشيطان لا يتسلط على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وفى شأن التنزيل والقران الكريم، وإلا جاء الشك الباطل فى شأن القران الكريم، وجوز الفاسقون على مقتضاه أن يكون القران قد اعتراه التغيير والتبديل، والزيادة، وتجويز أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم وهو مبلغ الرسالة قد اعتراه خرف، وابتعاد عن مؤداه، وذلك باطل فما يؤدى إليه باطل بلا ريب.

وثانيا: أن هذه الأخبار لم يسند فيها القول إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكن كلها مرسلات، فلا يلتفت إليها.

وثالثا: أن الذين يقولون هذا القول يسندونه إلى تفسير قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «١» فزعموا أنه ألقى فى أمنيته صلى الله تعالى عليه وسلم زيادة تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى، ثم نسخت تلك الزيادة التى ألقاها الشيطان فى أمنيته وأحكم الايات، وذلك من شأنه أن يشكك فى أصل القران الكريم، ويا بنى عليه المفترون قولهم أن فى القران الكريم زيادة ونقصا، وذلك قول قائله كافر، لأنه ينكر ما جاء به القران الكريم من أنه محفوظ إلى يوم القيامة تصديقا لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «٢» .

وقد يقول قائل، وكيف نفسر قوله تعالي: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ، وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ «٣» ... نقول إن التمنى هو ما يتعلق بما يتمناه الإنسان بمقتضى غريزته، فالأنبياء ليسوا معصومين بمجرد غريزتهم من التمني، ولكن الشيطان يجيء من جهة الأمانى، ويزين الأهواء ويحسنها، فينسخ الله


(١) سورة الحج: ٥٢
(٢) سورة الحجر: ٩.
(٣) سورة الحجر: ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>