للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالت كلماته مبينا أنهم لا يريدون إيمانا بل يريدون إعناتا، فقال تعالي: وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ، ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا، بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ أى يريدون أن يلتمسوا الحجة من أى ناحية.

ثانيها: أنهم كانوا يعتقدون فى ذات أنفسهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم على الحق، وأن القران الكريم هو الذى لا يحاكى، ولكنهم يمارون فى الحق بعد ظهوره، ولذلك ما كانوا يسكتون، عند إفحامهم، أو إفحام بعضهم بل إنهم إذا أفحموا بحثوا عما هو أشد لجاجة، وأقوى محاجة فى الظاهر، ولذلك لما أفحم النضر بن الحارث بين أيديهم لم يسلموا بالحق، وقد بدت بيناته، بل قالوا معاندين: وما قام وما قعد. حتى جاء ابن الزبعرى، فأتى بما يظنه مفحما لمحمد عليه الصلاة والسلام، بل كان سبيلا لمعرفة الحق، إن أرادوا رشادا، ولكن ما أرادوه.

ثالثها: أنه فى أثناء الحصار والمقاطعة والقطيعة، ما ونى محمد عليه الصلاة والسلام عن دعوته حتى يئسوا هم، ولم ييأس هو ومن معه من المؤمنين الأشداء الأقوياء، ولو كانوا المعذبين المضطهدين.

وإنه فى أثناء ذلك ما ونى، وما ضعف ولا استكان، ولا وهنت نفسه.

وإن ابن إسحاق قد أتى بأخبار كثيرة عن النبى عليه الصلاة والسلام مع قومه، وقد أفرغوا من الأذى كل ما فى جعبتهم من سهام مريشة، ممزقة جارحة، ولقد قال ابن كثير فى تاريخه بعد ذكر أخبار المجادلة:

كل هذه القصص ذكرها ابن إسحاق معترضا بها بين تعاقد قريش على بنى هاشم، وبنى المطلب، وكتابتهم عليهم الصحيفة الظالمة، وحصرهم إياهم فى الشعب، وبين نقض الصحيفة، وما كان من أمرها وهى أمور مناسبة لهذا الوقت، ولهذا قال الشافعى رحمه الله تعالى: «من أراد المغازى فهو عيال على ابن إسحاق» .

إذن، فالنبى عليه الصلاة والسلام، مواصل دعوته، صادع بأمر ربه لا ينى ولا يقصر، فما نهنهت من عزمته المقاطعة، ولا إرادة الجوع والعرى، بل استمر، وهو يقول فى قوة وعزم: «أنا النذير العريان» .

واذا كانت قريش قد بلغت أقصى الإيذاء، وانتقلت من الإيذاء الأحادى إلى الإيذاء الجماعى، ومن إيذاء المؤمنين واحدهم، إلى إيذائهم مع من يوالونهم من أقارب، وأولياء ونصراء، إذا كانت قد بلغت ذلك، فمحمد عليه الصلاة والسلام لم يعبأ، لأنه مؤيد من رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>