وإن الذلة كانت تجرى فى دمائهم، حتى إنه إذا جاءهم من يريد لهم العزة استنكروا ما يدعو إليه، وإن صدقوه جعلوه معبودا أو كالمعبود، وأطاعوه فى الخير والشر، وتصوروا فيه ما ألفه اباؤهم من تقديس لقوله، وإطاعة لعمله، يذوقون الجوع والعري، ويرضون، لأنهم كانوا مع فرعون فلا يتصورون الطاعة، إلا لمن يشبه.
إن موسى عليه السلام عندما بعثه الله تعالى بعثه فى غير مصر، وفى غير أرض فرعون، ولما دعا فرعون بدعوة الحق لم يجد مستجيبا إلا من السحرة، وعدد من الشعب ليس بالكثير، فما امن من قوم فرعون إلا قليل، وخرج ببنى إسرائيل ناجيا بهم. وأطبق البحر على فرعون، وخرج إلى سيناء ليدعو بدعاية الحق، ولكنهم لم يصلحوا لتمرسهم بما كان عليه المصريون حتى أنهم أرادوا أن يتخذوا من عجل صنعوه لأنفسهم إلها، كما كان المصريون يعبدون العجل، وهانت نفوسهم كشأن المصريين، حتى أن موسى عندما طلب منهم أن يدخلوا الأرض التى كتب الله تعالى لهم أن يدخلوها، غلبت عليهم شقوتهم، وغلب عليهم الذل الذى أذاقهم فرعون كؤوسه.
كان ذلك من تأثير إذلال فرعون، فكتب الله عليهم التيه أربعين سنة، حتى يتربوا على البأس والقوة، ويجيء جيل يغالب. ولو تركنا الشرق الأدنى إلى الهند لوجدنا الطبقات قد قتلت فيها النخوة، ودفعت شعبها إلى الاستسلام للذل، إذن فليس لدعوة الحق والعزة والحرية إلا العرب.