عندئذ أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الأهبة، وأخذ يرسل السرايا سرية بعد سرية، ثم كانت الغزوات، ونرى في اصطلاح مؤرخى السيرة أنهم يطلقون السرية على كل بعث يبعثه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعدد من المؤمنين قل أو كثر. (وفي الغالب لا يكون كثيرا) إلى لقاء المشركين، ولم يخرج عليه الصلاة والسلام مع ذلك الجيش، أما الغزوة فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم يخرج فيها مجاهدا بنفسه، سواء أقاتل بالفعل أم لم يقاتل.
وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ابتدأ الجهاد بالسرايا الثلاث التى بعثها في رمضان وشوال وذى القعدة، وهى سرية حمزة بن عبد المطلب، وسرية عبيدة بن الحارث، وسرية سعد بن أبى وقاص.
ثم ابتدأت الغزوات في السنة الثانية.
وقد اختلف المؤرخون في عدد غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وما كان اختلافهم في أصل الوقائع أو عددها، إنما كان سبب الاختلاف هو اختلافهم في خروج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مع الجيش أو عدم خروجه أيعد غزوة أو سرية.
وعند التحقيق نجدهم متفقين على العدد، واختلفوا قليلا في وصف الخروج، وكلمة مغازى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عامة تشتمل على الغزوات والسرايا.
وعدتهم كما روى الإمام أحمد في مسنده ثلاث وأربعون، فقد روى عن قتادة أن مغازى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث وأربعون، أربع وعشرون بعثا، وتسع عشرة غزوة، خرج في ثمان منها بنفسه، بدر وأحد والأحزاب، والمريسيع، وخيبر، وفتح مكة المكرمة، وحنين.
وروى عن الزهرى في هذه الغزوات الثمانى أنه قال: هذه مغازى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة ثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل بنى المصطلق وبنى لحيان في شعبان سنة خمس، ثم قاتل يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان، ثم قاتل يوم حنين، وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان، ثم حج أبو بكر سنة تسع، ثم حج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر.
ومن هذا السياق التاريخى يتبين أن الغزوات تسع عشرة، والبعوث أربع وعشرون، وأن الغزوات منها ما كان فيه قتال بين المؤمنين والمشركين، ومنها ما لم يكن فيه قتال، أو جاء شبه الانهزام لخطأ كان من المقاتلين، وقد يكون انتصار للمؤمنين بغير قتال، بل كان برعب وريح، كما كان في الخندق فإنه لا يعد فيها قتال، ولو كانت الهزيمة للمشركين، وإنما كان القتل والقتال في بنى قريظة، وقد كانت هناك