أحدهما: أن أهل الكتاب هم الذين كانوا يقولون: ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها، وأنهم كانوا فرحين، إذ أن المؤمنين كانوا يتبعون قبلة بيت المقدس.
ثانيهما: أن نص الآية يشير إلى أن جعل القبلة إلى بيت المقدس كان حكما مؤقتا يزول بزوال سببه، ولذلك لا نعتقد أنه نسخ، ولكنه انتهاء حكم مؤقت بانتهاء وقته المعلوم، وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك.
بقى أن تعرف الميقات الذى كان فيه التحويل!! لقد رويت في هذا روايات ظاهرها الاختلاف، ولكن الاتفاق على أنها كانت بعد جمادى الآخرة، والاختلاف أكان ذلك التحويل في رجب أم كان فى شعبان فروى عن قتادة وزيد بن أسلم وعبد الله بن عباس أن ذلك كان في رجب، وروى أنه كان في شعبان، وكلام ابن إسحاق يوميء إلى ذلك، إذ يقول إنها كانت بعد سرية عبد الله بن جحش، وما كانت في آخر رجب ويقول في هذا المقام:
«قال ابن إسحاق كانت بعد غزوة عبد الله بن جحش، ويقال صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم. وحكى هذا القول ابن جرير عن ابن عباس، وناس من الصحابة.. قال الجمهور الأعظم: إنما حولت في النصف من شعبان، على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة.. وعن محمد بن سعد الواقدى أنها حولت يوم الثلاثاء في النصف من شعبان.
ومهما يكن فقد ذكر الحافظ ابن كثير، أنه يميل إلى هذه الرواية التى تقول إنها في النصف من شعبان وذلك لأنه رأى الجمهور الأعظم، كما يقرر ابن كثير، وما كان الجمهور ليتجه إلى رواية إلا إذا ثبتت لديه صحتها، ورأينا دائما أن ما يتلقاه الناس وفيهم العلماء بالقبول لا يرد إلا إذا ثبت بدليل قاطع أو راجح بطلانه.
وإننا قد رأينا أن نصف شعبان يحتفل به المسلمون على أساس أنه يوم مبارك، والاحتفال به يتفق مع كونه اليوم الذى تحولت فيه القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة الشريفة، وكلاهما مقدس، إذ هو فرحة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وعلى أننا نلاحظ أن ابن كثير قدر المدة بين الهجرة، أو مقدم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بثمانية عشر شهرا، وإنه باستقراء عدد الأشهر من وقت مقدم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى منتصف شعبان لا يكون قد مضى ثمانية عشر شهرا، ذلك أن الهجرة كانت في ليلة الثانى عشر من ربيع الأوّل، فإذا احتسبنا ربيع الثانى وجمادى الأولى والآخرة، ورجبا يكون سبعة عشر شهرا وأياما.