وأن زكاة الفطر يبدو من السياق التاريخى أنها شرعت بعد واقعة بدر الكبرى، لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم خطب بها قبل عيد الفطر بيوم أو يومين.
أما الصوم، فمن المؤكد أنه فرض قبل يوم الفرقان في شعبان على الأرجح.
وأن من الرواة المتأخرين من يقول: إن الزكاة التى تفرض في المال، وتسمى زكاة المال قد فرضت فى هذه السنة، فيقول: وفي هذه السنة- أى السنة الثانية- فرضت الزكاة ذات النصب كما ذكر غير واحد من المتأخرين.
وقبل أن ننهى الكلام في رمضان وصدقة الفطر نذكر أمرين جديرين بالنظر:
أولهما: أن صريح الأحاديث الواردة في صدقة الفطر يفيد بأنها فرض، ليست سنة مؤكدة، ولا واجبة وجوبا دون الفرض، كما يقرر الحنفية، ولقد روى الترمذى بسنده أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعث مناديا في حجاج مكة المكرمة «ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر وأنثى، حر وعبد، صغير أو كبير» أى أنه يجب على الغنى أن يدفع زكاة كل واحد من هؤلاء لأنه يمونهم.
ولقد قال ابن القيم: «وكان من هديه صلى الله تعالى عليه وسلم تخصيص المساكين بصدقة الفطر، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية أى المذكورة في قوله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ (التوبة- ٦٠) ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا (أى الحنابلة) أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين عامة، وهذا القول أرجح.
وإن هذه الصدقة فيها معنى إشراك المساكين في أفراح العيد بأن يغنوهم عن السؤال في هذا اليوم، كما ورد عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ثانى الأمرين اللّذين يجب التنبيه إليهما: أن الصيام فرض قبل غزوة بدر يوم الفرقان، لأن الصوم، يربى ضبط النفس وينمى روح الصبر، ويعلى الإرادة، وهذه هى أدوات الجهاد النفسية، فإن عدة الجهاد هو الصبر.
فكان فرضه تمهيدا لما يجىء من بعد، وهو يوم الفرقان.