معاذ قال: يا نبى الله، ألا نبنى لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله تعالى وأظهرنا على عدونا ذلك ما أحببنا، وإن كانت الآخرى جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلف عنك أقوام يا رسول الله، ما نحن بأشد حبا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا، ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ودعا له بخير.
بنى له عليه الصلاة والسلام العريش، وكان فيه فائدة، وهو الرقابة على حركة الجند وعمله، وليكون مع الجند كله ببصره، لا مع فريق منه، فهو يراقبهم، ويعرف أعمالهم.
ولا شك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان بوجدانه وشعور العطف والرحمة بجيشه يغلب عليه الإشفاق، فعندما رأى جيش قريش ضرع إلى ربه داعيا قائلا:
«اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذى وعدتنى، اللهم أحنهم «١» الغداة» .
وكان أبو بكر مع رسول الله في العريش، ومعاذ بن جبل في نفر من الأنصار يطوفون حوله، والرسول صلى الله تعالى عليه وسلم دائم الدعاء والضراعة إلى ربه يقول فوق ما روينا ما رواه على بن أبى طالب رضى الله عنه: كان رسول الله يكثر الابتهال والتضرع والدعاء، ويقول فيما يدعو «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض» وجعل يهتف بربه عز وجل ويقول:
«اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم نصرك» ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه، وجعل أبو بكر يلتزمه من ورائه، ويسوى عليه رداءه، ويقول مشفقا عليه من كثرة الابتهال، يا رسول الله:
«بعض مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك» . وهكذا كان القائد الرشيد الحكيم لمحبته لجيشه، ولكل رجل من رجاله، ولحرصه على الأمر الباعث على الجهاد، وهو حماية الوحدانية، والقضاء على الوثنية، كان يشتد في الابتهال إلى الله سبحانه وتعالى. وبجوار ذلك كان يجتهد في بث العزيمة على القتال في جيشه الحبيب إليه، فهو يلجأ إلى جنده ليأخذ الأهبة، ويعمل على النصر، ثم يضرع إلى ربه متوكلا عليه مستغيثا، لتجتمع له ولجيشه قوة العمل، وقوة الاعتماد على الله سبحانه وتعالى الذى لا يغير أمر إلا بأمره.