للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسعد بن معاذ قائم على باب العريش، متوشح بالسيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، يخافون كرة العدو.

وقد أخذ الجيش المحمدى في تقتيل صناديد قريش وزعماء الشرك الذين كانوا يفتنون الناس عن دينهم، ويأسرون فريقا. وقد اشتدت النازلة بالمشركين، وعلموا أن كلمة الله تعالى العليا.

٣٨٤- هذا ويجب أن نلاحظ أمرين جديرين بالنظر: -

أولهما- أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم ينس رحمه وواجب الوفاء وأن يكون جزاء الإحسان لبنى هاشم الذين ذاقوا مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما ذاقوا، وقريش تقاطعهم في شعبهم، وهم على مثل قومهم من الشرك، فما كان من الوفاء بالعهد، وجزاء المعروف بمعروف مثله أن يقتلهم في الميدان وقد خرجوا لحربه كارهين، وكان من بعض رجالات قريش من لم يؤذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل من سعى سعيه في منع حصار بنى هاشم وبنى عبد المطلب، فكان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الوفى الأمين، لن ينسى إحسان محسن، والله سبحانه وتعالى يقول: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن- ٦٠) .

وهذا العباس بن عبد المطلب الذى كان يذهب مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في بيعة الأوس والخزرج ليستوثق من منعة يثرب للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فهل يتركه تعتوره السيوف.

ولذلك قال لجيشه في رواية ابن عباس:

«إنى عرفت أن رجالا من بنى هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لنا بقتالهم، فمن لقى منكم أحدا من بنى هاشم، فلا يقتله، ومن لقى أبا البختري «١» فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلا يقتله» .

فقال بعض من قتل ذووه، وهو أبو حذيفة، (ويظهر أن قوله لم يكن في حضرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم) ، أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا، ونترك العباس، والله لئن لقيته لألجمنه السيف، فبلغت هذه المقالة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأثرت في نفسه، فقال لعمر بن الخطاب آسيا: يا أبا حفص:

أيضرب وجه عم رسول الله عليه الصلاة والسلام بالسيف. وفي ذلك إشارة الى موقف العباس في العطف على رسول الله عليه الصلاة والسلام، والفرق بينه وبين أبى لهب.

ولقد ندم أبو حذيفة (ولعله قالها لقتل أبيه) «٢» أشد الندم، فكان يقول: ما أنا بامن من تلك الكلمة التى قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عنى الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيدا.


(١) عند ابن هشام: بالحاء وليس بالخاء.
(٢) هذا التعليل وقع سهوا وما نظنه مقصودا فإن أباه قد قتل في أحد وليس في بدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>