للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المجتمع الفارسي، وضاعت فيه الأنساب واستبيحت الأموال حتى وهنت الحقوق، وضعف تثمير الأموال، واختلط الحابل بالنابل، وما كان فى المستطاع أن يغير النظام بنظام من فارس، فإن التجارب فى المذاهب السابقة من زرادشتية إلى مانوية إلى مزدكية، لم تنجح فى إصلاح، بل كانت كالأدوية التى تزيد الداء العضال استشراء فى الجسم، فتكون هى أسبابا لتقوية الانحلال، فالزرادشتية دعت إلى القوة، فتحكم القوى فى الضعيف، والمانوية دعت إلى إنهاء ابن الإنسان من هذه الأرض مما اضطر كسرى لقتله، وجاء من بعد ذلك مزدك، فنشر الفساد وانهار به المجتمع الفارسى انهيارا.

إذن لابد من هداية السماء، لتستقيم الأمور، فكانت فى أرض العرب التى تجاورهم، كان من أرض العرب الرسول الأمين (صلّى الله عليه وسلّم) .

٥٠- واذا تجاوزنا فارس وخراسان وما وراءهما، نجد الهند والصين، وعندئد نجد حيرة العقول واضطرابها، نجد مجتمعا مضطرب التفكير، قد حرفت البرهمية، حتى صارت وثنية بعد أن كانت ديانة مواحدة، وصار براهما إلها مجسما فى أعينهم، مع أنه فى حقيقته رسول أرسله الله تعالي، قد جسموه، وجعلوا بعضه يخلق منه، خلق من أعلاه، وخلق من سواعده، وخلق من ركبتيه، وخلق من قدميه، وحالوا بين الخلق والحق، ثم فرقتهم الفرقة والطبقية، ورضوا بالتنافر بينهم بدل التحاب والتواد، وتقطع بينهم أمرهم، حتى صاروا هدفا يراد، ومقصدا يقصد.

وصارت الأوهام تسيطر عليهم، حتى توهموا فى أحد رجال الدين عندهم أنه إله أو ابن إله، ونحلوه من الصفات ما لا يكون لبشر عادي، وذكروا أن النصارى تبعوه، إلى اخر ما قيل مما أخذه عنهم النصارى من بعدهم.

ولما اتجهت بعض النفوس إلى إصلاحهم كانوا فى حيرة من أى الأبواب تدخل فى الإصلاح، لأن معرفة المداخل والمخارج فى باب التهذيب الدينى لا تكون إلا بدين، ولم يكن ثمة دين مرشد، ولا نبى مبعوث يدعو إلى الحكمة وإلى الصراط المستقيم.

فاقتصروا على ما يوميء إليه الإحساس، فجاء بوذا وأتى بعقيدة هى إلى الحرمان أقرب منها إلى الإصلاح والإيجاب ورفع الإنسان وتكوين الإرادة المتجهة إلى الفضيلة الإيجابية والعمل النافع المثمر، وعمارة هذه الأرض، وإقامة المصالح على أسس خلقى مكين.

وإن الحرمان لا ينتج ولا يثمر، ولا يطبقه العامة، وإن ادعاه الخاصة، ولذلك لم يكتب لهذا المذهب الأخذ به أخذا كاملا، أو قريبا منه، أو حتى إرادته إلا عند بعض الاحاد الذين سموا فى الماضى والحاضر الفقراء، وقد راضوا أنفسهم على الحرمان غير المنتج.

<<  <  ج: ص:  >  >>