للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحياء متفرقة عقدا ملزما، ولكن الحسد كان يسكن قلوبهم من أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم الذى بعث كانوا يتمنون أن يكون من ولد إسحق لا من ولد إسماعيل، وقد كانوا يعرفون أن نبيا سيبعث، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به حسدا من عند أنفسهم، وكلما استيقنوا أنه النبى المبشر به في التوراة ازدادوا ضيقا وغضبا وكفرا، وكلما وجدوا آيات النبوة زادتهم طغيانا وضلالا، وعتوا وفسادا في الأرض، وكأنهم وحدهم سلالة قابيل الذى قتل أخاه، لأنهما قربا قربانا فتقبل من أحدهما، ولم يتقبل من الآخر (قابيل) .

ولننقل شهادة أم المؤمنين صفية بنت حيى بن أخطب، قالت رضى الله تبارك وتعالى عنها:

عند ما قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة المنورة، ونزل قباء في بنى عمرو بن عوف، غدا عليه أبى حيى بن أخطب، وعمى أبو ياسر بن أخطب مغلسين (أى في غلس) قلت لم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا ساقطين يمشيان الهوينى، قالت فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما التفت إلى واحد منهما، مع ما بهما من الغم، وسمعت عمى أبا ياسر، وهو يقول لأبى حيى بن أخطب: أهو هو..؟ قال: نعم والله، قال أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال ما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت. تلك شهادة صادقة من سيدة برة على أبيها، فما جعلته الآية المثبتة لرسالة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم مؤمنا مصدقا بل جعلته عدوا لجوجا في عداوته، وذلك فعل الحسد الذى كان من قابيل على أخيه هابيل إذ تقبل منه الإيمان وحده، والله تعالى يختص برحمته من يشاء.

وحيى بن أخطب وأخوه صورة نفسية لكل يهودى ممن كان بجوار المسلمين بالمدينة المنورة، وبهذه العداوة كانوا يتحركون، وطويت قلوبهم على الضغينة المستكنة.

فلما انتصر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ازدادوا ضيقا، وظنوا أن الدائرة من بعد ستدور عليهم، فأرادوا بغريزة حب البقاء أن يعملوا عملا يظنون فيه بقاءهم، لكيلا يجد المسلمون السبيل لإخراجهم، واتحدوا مع المشركين ممن بقوا في المدينة المنورة، وحملوا أولئك على أن يظهروا الإيمان، ويخفوا الكفران إذ أو عزوا إليهم بخلقهم، الذى اشتهروا به في ماضى أمرهم ونفذوه في حاضرهم.

ولقد انضاف بذلك إلى اليهود بإغرائهم من كانوا قد بقوا على الوثنية من الأوس والخزرج، وإن لم يكونوا الكثرة، ولكنهم بما أظهروا من إيمان يبثون الوهن في قلوب المؤمنين، ويلقون بأسباب الفشل وقد ظهرت رؤوسهم فيما ظهر بعد بدر من الغزوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>