زايلوا أماكنهم، وعين خالد وعكرمة تترقبهم، ويريدون فرصة ينتهزونها لفعل الخيل، فانقضوا على مواطن الرماة، وأخذوا جيش الإيمان من ظهره.
والجزء الأكبر من جيش قريش يسير في انكسار، ولا يتوقع إلا الهزيمة حتى أخذ ينادى خالد ابن الوليد جيش قريشا بأنه أخذ يضرب جيش محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من ظهورهم، فعادوا كلبين على جيش المسلمين يريدون أن ينالوا منالا، وأرادوا محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ليقتلوه، وإذا كانوا قد أحاطوا بجيش الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فالله سبحانه وتعالى من ورائهم محيط.
قال ابن إسحاق:
انكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص، أكرم الله سبحانه وتعالى من أكرم من المسلمين بالشهادة، حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرمى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالحجارة، حتى وقع، فأصيبت رباعيته وشج في وجهه، وكلمات شفته.
وهكذا وصل جيش المشركين إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته الطاهرة، ووقع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في حفرة من الحفر.
وكان أبو عامر الأوسى، قد حفرها ليتردى فيها المسلمون عند هجومهم، فأخذ على بن أبى طالب بيد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما.
وأخذ الصحابة يزيلون وضر الجروح عن وجهه، ونزع أبو عبيدة عامر بن الجراح إحدى الحلقتين من وجهه، نزعها بأسنانه، فسقطت ثنية أبى عبيدة، ثم نزع الآخرى، فسقطت ثنية أخرى.
كان جيش الشرك لا يريد إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ظانين أنهم إن قتلوه، انتهى الأمر، ولذلك أحاط به الصناديد من المؤمنين الذين كانوا في صدر الجبهة، وأخذوا يذودون عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، والسيوف تعتورهم، ومنهم كثيرون ذهبوا فداء لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان منهم من يخصه بالحماية غير مبال بشىء.
وفي ذلك الوقت اشتدت الحماسة في الدفاع عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان بجواره مصعب بن عمير حامل اللواء يذود فقتله من يريد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ونادى فى قريش أن محمدا قتل، وقد أعطى اللواء لعلى.