للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ، وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ، يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ، وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ، وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ، يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (آل عمران- ١٥٢: ١٥٥) .

ونرى في هذه الآيات الكريمات وصفا دقيقا للمعركة، ووصفا للنفوس بينه العالم بما في الصدور.

ونرى الآيات تبين ابتداء المعركة، وقد كان فيها جيش الإيمان يحس الشرك بأن يصيب حسه، وإصابة الحس قتل الأنفس. وإزالة عنصر الحياة فيها، بإزالة الحس الذى هو مظهر.

ويجيء من بعد ذلك الخلاف حول الغنائم، بسبب التردد بين أخذها وبين تركها، وفي الأولى عصيان القائد الأعظم، وفي الثانية عصيان النفس، وطاعة القائد هو أولى بها، وإن كل تنازع عجز، ولذا بين القرآن الكريم أن ذلك فشل ذريع، ثم غلب بعد ذلك العصيان.

وانبثق في هذا الخلاف ما تكن النفوس، فكان منها من يريد الدنيا، وهم الذين تبعوا الغنائم، وأخلوا بالصفوف، وصرف الله تعالى جيشه الذى كان موحدا في الظاهر، لتكون تلك الجراح، والمقتلة التى أصابت المسلمين.

وصور الله تعالى المعركة في انتصارها وكبوتها، إذ هم يصعدون، والرسول عليه الصلاة والسلام يدعوهم في أخراهم.

ثم من بعد ذلك كانت الحسرة، فلم ينالوا مالا، ولم يحافظوا نفسا، وأصابهم غم شديد، بل أصابهم غمان. غم بسبب ضياع الأنفس وضياع المال إذ تعجلوا قبل ميقاته، وغم إذ نالهم، وأحسوا بما كان منهم، فلا يحزنون على مال فاتهم، ولا جروح أصابتهم، إنما هو الغم والغم إنزال غمة بالنفس، تكون منها في ظلام لا يرى ما وراءه، ويصيب النفس بالإعياء المرهق كدا وحسرة.

وإن ذلك كان عاما لمن كان يريد الدنيا، ومن كان يريد ما عند الله، وقد خص الذين يريدون ما عند الله تعالى بعد الغم المتوالى، غما بعد غم، كان الاطمئنان والرضا بما كان مستفيدين من العبر، وكان مظهر هذا الاطمئنان النعاس الذى لا يكون إلا من قرار نفس، واطمئنان حاضر، ورضا بما قدر الله تعالى،

<<  <  ج: ص:  >  >>