ونزل ذلك الحجاب في ليلة زفاف زينب بنت جحش الصالحة المعتصمة بدينها للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد روى عن أنس بن مالك أنه لما تزوج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا وجلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يتهيأوا، فلما رأى ذلك قام فقاموا، وقعد ثلاثة نفر، وجاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فأخبرت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنهم انطلقوا.
٤٨٦- روى الخبر، البخارى ومسلم.
وخلاصته كما ترى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أولم لهم بوليمة، فلما طعموا لم ينتشروا، فتهيأ للقيام فلم يقوموا ثم قام فعلا، فقام من قام، وبقى ثلاثة لم يشعروا بما ينبغى فبقوا، فدخل صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أهله وهم جلوس، ثم انطلقوا بعد.
وروى البخارى حديثا آخر في هذا المعنى عن أنس خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكنه يثبت أن الدعوة كانت عامة وواسعة، يقول أنس: بنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بزينب بنت جحش، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجىء قوم، فيأكلون ويخرجون ويجىء القوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه، فقلت يا نبى الله ما أجد أحدا أدعوه، قال ارفعوا طعامكم، وبقى ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت، ورحمة الله وبركاته، قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، كيف وجدت أهلك، بارك الله لك، فتقرى حجر نسائه كلهن، ويقول لهن، كما يقول لعائشة، ويقلن له، كما قالت عائشة، ثم رجع فإذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون وكان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شديد الحياء، والروايات متلاقية، وإن كان في بعضها زيادة تفصيل.
٤٨٧- كان هذا سببا مقاربا لنزول آية منع دخول بيت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ، وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ، وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ، وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً. إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ، وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ، وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ، وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ، وَاتَّقِينَ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً