للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي النوم لم يذكروا ما كان من خلاف، ولم يحسوا إلا بالتعب، فشغلهم التعب الجسمى عن القلق النفسى، فانطفأت نار هذه الفتنة، لتكون فتنة أشد إيذاء، وأبلغ تأثيرا، وكانت أيضا من النفاق والمنافقين، وشاعت نيرانها، حتى شملت بعض المؤمنين من الأنصار، وبعض المهاجرين من ذى القربى ممن أشيعت حولها الفتنة.

ولقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند ما بلغه التنادى يا معشر المهاجرين، ونادى الآخر يا معشر الأنصار، قال النبى: دعوها فإنها منتنة، أى دعوى خبيثة جاهلية، حتى نتنت بقدمها.

وعند ما علم عبد الله بن عبد الله بن أبى، وقد كان مؤمنا قوى الإيمان بما قال أبوه، وما حرض به، مشى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنه قد بلغنى أنك تريد قتل عبد الله بن أبى فيما بلغك عنه، فإن كنت لابد فاعلا فمرنى، فأنا أحمل إليك رأسه. فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده منى، وإنى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله فلا تدعنى نفسى أنظر إلى قاتل أبى يمشى في الناس، فأقتل رجلا مؤمنا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: بل نرفق به، ونحسن صحبته ما بقى معنا.

وكان لفعله أثر شديد في نفس النبى وإن كان قد عالجه بما كان فيه الوقاية من تفاقمها، فقد كان لها أثر في نفوس المؤمنين، فكان قوم ابن أبى حريصين على منعه من أى فتنة ولومه على كل قول يكون منه بما يدل على قلبه، فكانوا هم الذين يعاقبونه، ويأخذونه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعمر بن الخطاب، كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لأرعدت أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. فقال عمر رضى الله تعالى عنه مذعنا: قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أعظم بركة من أمرى.

هذا وقد أنزل الله تعالى جزآ من سورة المنافقين في هذا الأمر، فقد قال الله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ. وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ، وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ، وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ. سَواءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>