للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابن القيم أن من الأحكام الفقهية التى ظهرت في الحديبية استحباب مشورة الإمام رعيته وجيشه استخراجا لوجه الرأى وأمنا لطاعتهم، وتعرفا لمصلحة يختص بها بعضهم دون بعض، واستجابة لأمر الله في قوله تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (آل عمران- ١٥٩) . وقد مدح سبحانه وتعالى عباده المؤمنين، بقوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ (الشورى- ٣٨) .

ونحن نرى أن النصوص توجب أن يستشير الإمام الرعية في إدارة شئونهم، وقد نرى استحباب ذلك في القتال، لا في شئون الكافة.

ومنها أن المشركين والفجار والفسقة وأهل البدع إذا طلبوا أمرا يعظمون به حرمة من حرمات الله تعالى، أو أمرا هو حق في ذاته أجيبوا إليه، فكل من يطلب أمرا هو حق في ذاته، أو محبوب لا إثم فيه، أجيب الطلب، ولو كان فاسقا مبتدعا، أو باغيا على الحق، أو مشركا، إلا أن يكون في ذلك ما يؤدى إلى التجرؤ على أهل الحق أو معاونة آثم لذات الإثم وإن ذلك موقف دقيق، إذ التعرف على حق لا يجر إلى باطل أمر دقيق لا يدركه إلا أهل الإيمان وأهل الإدراك السليم.

ومنها أن الحرم ليس مقصورا على المسجد الذى هو مكان الطواف؛ بل الحرم يشمل ذلك، وما حول مكة المكرمة، وأن كلمة الحرم تشمل كل ما حول مكة المكرمة.

ومنها أن المحصر بالحج أو العمرة وهو الذى يمنع من الوصول إلى البيت الحرام، وقد أحرم لزيارته معتمرا أو حاجا ينحر الهدى حيث أحصر، ومنها أن المصالحة مع الكفار جائزة، ولو كان فيها ضيم ظاهر إذا ترتب على ذلك مصلحة للمسلمين، والضيم ظاهر، والعبرة بالنتيجة، وإن كان الضيم في ذاته ضرر، فإنه يقدم بدفع أقل الضررين، وإن الصلح بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وكفار قريش في هذا الوقت كان خيرا في عواقبه، وإن لم يكن ظاهرا لكل المؤمنين أو لكثرتهم.

وهكذا كانت أعمال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تفيد أحكاما شرعية، سواء أكانت تتعلق بتدبير مصلحى، أو عبادة مقررة ثابتة.

وإنه إذا كان الأمر مصلحة، وجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يبدى ما يراه مصلحة، أو يعين على الواجب، لأن ذلك من قبيل النصيحة في الدين التى تجب المبادرة بها، فقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم، «الدين النصيحة لله ولرسوله، ولكتاب الله، ولخاصة المسلمين وعامتهم» .

ولذلك تقدمت السيدة أم المؤمنين أم سلمة تطلب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يبادر هو بالعمل، فإذا حلق ونحر تبعوه، لأن العمل يؤثر في الاتباع أكثر من القول، ولم يجد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غضاضة في أن يتبع ما أشارت به غير متردد، لأن الحق أحق أن يتبع، ولأن الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>