وقالوا: إن السرية كانت بقيادة كرز بن جابر الفهرى إلى العرنيين الذين قتلوا راعى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم واستاقوا النعم، فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر فى عشرين فارسا فردوهم، هذه قصة هذه السرية، خرج ناس استولوا على إبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقتلوا راعيها، فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هذه السرية، فردت الإبل.
وفي القصة أخبار نجد من الواجب أن نذكرها، ونبين مقدار الاطمئنان في الرواية ونسبتها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
جاء في البخارى ومسلم عن أبى قلابة عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أنه قدم رهط من عكل ورعينة فأسلموا، واجتووا المدينة المنورة فأتوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فذكروا ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: الحقوا بالإبل فاشربوا من أبوالها وألبانها، فذهبوا وكانوا فيها ما شاء الله تعالى ثم قتلوا الراعى وسرقوا الإبل، فجاء الصريخ إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلم ترتفع الشمس حتى أتى بهم، فأمر بمسامير فأحميت فكواهم بها، وقطع أيديهم وأرجلهم وألقاهم في الحرة يستقون فلا يسقون حتى ماتوا، وفي رواية عن أنس أنه قال: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش، وفي رواية للبخارى ومسلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمر فسمل أعينهم.
ولقد قال كمال الدين بن الهمام- من كبار فقهاء الحنفية: رواه جماعة المحدثين.
ولكن مهما تكن عدد المصادر التى روته فإنه حديث آحاد. وإن أهل الخبرة في علم الحديث يقولون إن رواته ثقات، وإن سنده متصل، وإنه لا إنكار في سنده، وإن كان آحادا، ولكنا ننظر في متنه، فإن الحديث يضعف بإحدى طريقين إما بضعف سنده، أو بضعف متنه بأن يكون مخالفا للمقررات الشرعية.
وإنا نرى أن متنه يخالف المباديء التى قررها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لوجوه.
أولها: أن فيه مثلة، بسمل الأعين، وأن المثلة منهى عنها، وإن قالوا أن المثلة لم يكن قد نهى عنها، فإننا أولا نقرر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يمثل بأحد من قتلى أحد، ولا من قتلى الخندق، فدل هذا على أنها كان منهيا عنها من قبل. وإن قيل إن الصحابة فعلوا معهم ذلك، لأنهم ارتكبوا ما يوجب حدا، وإذا كان الحد، فهو حد الحرابة الذى بينه الله تعالى بقوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ... إلى آخر الآيات.
وليس فيها سمل الأعين. ولا يقال إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يأمر به، لأنه علمه في الرواية ولم ينكر.