وعلى المسلم كذلك زكاة الفطر وكفارات النذور والأيمان والقتل الخطأ، والظهار، وفدية الصيام وكفارته، وكل هذه مغارم تصرف لعلاج آفات الفقر فى المجتمع.
فكان العدل يوجب أن يفرض على غير المسلم الذى يعيش فى ظل الإسلام فرائض تقابل ذلك، فكانت الجزية، وكان الخراج، يصرف منها على المصارف العامة للدولة الإسلامية التى تظل المسلم والكتابى على سواء، ولذلك كانت حاجات أهل الذمة تسد من بيت مال الجزية والخراج، من أجل هذين الأمرين فرضت الجزية، وإنها أمر عادل لا إذلال فيه، ولا شبه إذلال. ولكن طاعة وتسليم وخضوع للدولة ونظامها مع حرية التدين.
٥٥٥- ولننظر فى نظام الجزية كما طبقه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان أول تطبيقه فى تيماء عقب خيبر، فنجد الحافظ ابن كثير فى تاريخه الكبير يذكر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حمل أهل تيماء على الجزية وقال فى ذلك نقلا عن الواقدى «لما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيبر وفدك ووادى القرى صالحوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على الجزية، وقدموا بأيديهم أموالهم» .
وهذا الخبر من الواقدى فى تاريخه، وزكاه أن الحافظ ابن كثير نقله واعتمده، وهو يدل على أن الجزية فرضت عقب خيبر أو فورها، ولم تطبق عليها لأنها فتحت عنوة، ولم تفتح صلحا، وكان المفروض أن يجلوهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكنه أبقاهم كما طلبوا، واحتفظ لنفسه بحق الإجلاء فى أى وقت شاء، وأجلاهم عمر من بعد ذلك عملا بما احتفظ به النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فلم يكن تطبيق الجزية عليهم لأنها لم تكن قد نزلت آية الجزية، وإنما كان ذلك، لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رأى تأجيل الجلاء فى حقهم، لأنهم كانوا أقوياء، ولو أبقوا بالجزيرة العربية لاستطاعوا بكثرتهم أن يكون لهم سلطان، ولكيلا يجتمع فى جزيرة العرب دينان.
أما أهل تيماء فقد انتهوا مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم صلحا، ولم يقرر إجلاءهم، وكانوا فى أطراف الشام والجزيرة العربية، ولذلك لم يخرجهم الإمام عمر رضى الله تبارك وتعالى عنه، إذ هم ليسوا فى داخل الجزيرة، ولم يحتفظ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بحق إخلائهم.
وننتهى من هذا الجزء إلى أن الجزية فرضت قبل الفتح، ولم تكن شرعيتها بعد الفتح، ولكن الإمام ابن القيم يقرر أن الجزية لم تقرر إلا بعد الفتح «وأما هديه فى أخذ الجزية فما أخذ من الكفار إلا بعد نزول سورة براءة فى السنة الثامنة من الهجرة، فلما نزلت آية الجزية أخذها من المجوس، وأخذها من أهل