كان الأعراب بين منافق كافر غادر، وبين مسلم يتربص الدوائر، وبين مؤمن تقى طاهر، ومهما يكن أمرهم فقد كان الإسلام ينتشر مع هذا الدخل، وإن دخل الإسلام قلبا، ولو على تردد فإنه بتوفيق الله تعالى، ومن بعد ذلك يشرق إشراقا، ثم يكون من ذلك إيمانا.
وإن الحروب التى وقعت بين المشركين ومحمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المؤمنين كانت قوارع تقرع النفوس العربية، فيهتز صداها فى النفوس، إذ خلاصتها أنها قتال بين التوحيد ديانة إبراهيم أبى العرب عليه السلام، وبانى البيت الحرام، وبين الشرك فيدعوهم إلى التفكير بين الوحدانية والشرك، وبين ملة إبراهيم محطم الأوثان، وبين عبادة الأصنام، فإن ذلك يدفع نفس العرب والأعراب إلى التفكير فى الأمر تفكيرا من غير إرهاق.
وفوق ذلك فإن الحرب بين الإيمان الذى ينصره الله تعالى ويؤيده، والشرك الذى يتوالى خذلانه يدفع إلى تعرف السر فى النصر مع قلة العدد، والخذلان مع كثرته، وإن واقعة الخندق وحدها داعية إلى التفكير فى القوة الخفية التى نصرت محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ أرسل الله تعالى ريحا عاتية قلبت أوعيتهم، وخلعت أخبيتهم، وخلعت مع ذلك قلوبهم، ففروا من اللقاء فرارا، إن هذه وحدها قارعة تلفت العقول عن عبادة غير الله تعالى، لأنها تدرك أن الله مؤيد دعاة التوحيد بغير ما يقدرون، وما يقتدرون.
وإن الغزوات الكبار كان بجانبها سرايا تنبث فى أنحاء البلاد العربية داعية كاشفة هادية أو مقاتلة إن رأت غدرا وخيانة.
وإن كل هذا يدفع إلى التفكير فى الدين، والموازنة بينه وبين عبادة الأوثان، وإن الجمود على اتباع الآباء ولو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون هو الذى يصم الآذان والقلوب عن إدراك الحق، فقوارع الحرب تسمع الذين فى آذانهم وقر، وعلى أبصارهم غشاوة.
وإذا فتحت المدارك اتجهت إلى الطريق المستقيم، الذى لا عوج فيه، ولا أمت.
وفى الحق أن دعوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم صغت إليها قلوب الضعفاء ابتداء، ثم كانوا من بعد قوة الإسلام التى أزعجت الكفر فى مكامنه، وهدته إلى مواطن الهداية.
لا نقول إن الحرب أكرهت أحدا على الإيمان، ولكن نقول إن قوة الحق أخذت غير المحاربين إلى محراب الإيمان فجاؤا إليه طائعين مختارين، ولأن انتصار المؤمنين لإيمانهم يجعل النفوس ترمقهم، والقلوب تصغى إليهم.