للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٧٠- وهنا يثور كلام يجيء فى أخبار عن عبد الله أبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكانت له زوج غير امنة تزوجها قبلها أو بعدها وأن امنة إحدى اثنتين كانتا زوجين لعبد الله.

قال ابن إسحاق صاحب السيرة «فقد ذكر أن عبد الله إنما دخل على امرأة كانت له مع امنة بنت وهب وقد عمل فى طين له وبه اثار من طين، فدعاها إلى نفسه، فأبطأت عليه لما رأت به من أثر الطين فخرج من عندها فتوضأ، وغسل ما كان به من ذلك الطين» ، ثم خرج عامدا إلى امنة فمر بالمرأة فدعته إلى نفسها، فأبى عليها، وعمد إلى امنة فدخل عليها عليها وأصابها، فحملت بمحمد (صلّى الله عليه وسلّم) ثم مر بامرأته تلك، فقال لها: هل لك؟ قالت، لا، مررت بي، وبين عينيك غرة بيضاء فدعوتك فأبيت على، وذهبت إلى امنة، فذهبت بها» «١» .

وإنا نرد ذلك الخبر، ونؤمن بأن عبد الله ما تزوج إلا امنة أم محمد خير الخلق والنور المنبثق فى هذا الوجود، وإنما نقرر ذلك:

أولا:: لأنه خبر انفرد بذكره ابن إسحاق، ولم ينقله، ولم يأت فى كتب السنة الصحاح، ولو كان عبد الله له زوج أخرى لاشتهر ذلك، ولذكر فى الأخبار، كما ذكر خبر زواج عبد المطلب المتعدد، وأولاده من كل زوجة تزوجها وبيان نسبها، ومن تنتمى إليهم، وما كان عبد الله أبو سيد الخلق بأقل شأنا من أن يعرف زواجه الأول والثانى، من عبد المطلب إن كان قد عدد الأزواج، وقد علا شرف عبد الله بأبوته لمحمد، فليس بأقل من أبيه الكريم، والسيد العظيم.

وثانيا: أن هذه الزوج المزعومة لم تذكر متى كان زواجها منه، وما أحوال ذلك الزواج لو كان حقا، وما الذى انتهى إليه، ولماذا تزوج أخرى فى هذه السن المبكرة؟

إن عدم ذكر شيء من هذا فى ذلك الخبر يجعله غير قابل للتصديق، وهو غريب فى ذاته.

وثالثا: أن المذكور فى السير أن المرأة المشار إليها كانت قد طلبت أن يصيبها، ولم تذكر زواجا، وأنه أجابها بالاستنكار، وقال البيتين المشهورين عنه اللذين يفيدان أنه لا يقبل إلا الحلال الذى يسوغه له عرضه وكرامته، وشرف أسرته، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.

ورابعا: أن الخبر يحمل فى نفسه دليل بطلانه، لأنه يذكر أنه طلبها وهو مغبر بطين، فلم ترض، وكان المعقول وقد طلبها طلب الرجل لامرأته وأنها مانعته حتى يغتسل، وأنه اغتسل أن يذهب إليها،


(١) السيرة لابن هشام ج ١ ص ١٥٧ طبع الحلبى.

<<  <  ج: ص:  >  >>