وأعفيا شاربهما، فكرر النظر إليهما. وقال لهما: ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا: أمرنا ربنا، يعنيان كسرى، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ولكن ربى أمرنى باعفاء لحيتى وقص شاربى.
ثم قال لهما: ارجعا حتى تأتيانى غدا، وقد أعلم الله رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم بأن كسرى قد قتله ابنه شيرويه، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، عنده ذلك العلم من الله تعالى، دعاهما فأخبرهما.
فقالا: هل تدرى ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا فنكتب عنك بهذا، ونخبر الملك بازام (نائب كسرى) .
قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أخبراه ذلك عنى وقولا له إن دينى سيبلغ ما بلغ كسرى، وينتهى إلى الخف والحافر، وقولا إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك من الأبناء، ثم أعطى حرحورة الفارسى أحد الرسولين منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك.
خرجا من عنده حتى قدما على بازام (نائب كسرى) فى اليمن.
فقال هذا الملك النائب عن ملك الملوك. كسرى: ما هذا بكلام ملك، وإنى لأرى الرجل نبيا، كما يقول: وليكونن ما قد قال، فلئن كان هذا حقا فهو نبى مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأيا.
علم الجميع أن كسرى قد قتل بيد ابنه. وقد أعلمهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك، والرسولان عنده، والأخبار عنه منقطعة عن طريق البرد وغيرها.
وبينا نائب كسرى باليمن على الأمر الذى لم يصل إليه نبؤه، وهو فى تردد فى قبوله، جاءه كتاب شيرويه الابن، وجاء فى هذا الكتاب.
أما بعد: فإنى قد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا غضبا لفارس، لما كان قد استحل دم من قتل من أشرافهم، ونحرهم فى ثغورهم، فإذا جاءك كتابى هذا فخذ لى الطاعة ممن قبلك وانطلق إلى الرجل الذى كان كسرى قد كتب إليه، فلا تهجه حتى يأتيك أمرى فيه.
إنه بلا شك لم يكن الابن على عزيمة أبيه فيما يتعلق بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل تردد، وكل ما أمر به ألا يهيجه فلا يطلب إليه الحضور حتى يكون أمر جديد.
تلك أمارات متتالية تدل على صدق النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يدعو إليه من وحدانية وصدقه فى دعوى الرسالة الإلهية.