الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال: سبحان الله من هؤلاء؟ قلت رسول الله فى المهاجرين والأنصار، قال أبو سفيان ما لأحد بهؤلاء، والله يا أبا الفضل قبل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، قال العباس يا أبا سفيان إنها النبوة، فقال نعم إذن.
٥٩٤- ذكرنا هذا الحديث بطوله، لأنه التقاء صديقين كلاهما يتحسس الأخبار لحماية مكة المكرمة من الحرب، فالعباس رضى الله عنه يتحسس، ليرسل لقريش يحرضهم على أن يستأمنوا لأنفسهم من جيش الإيمان لكيلا تكون حرب فى الحرم، ولتحمى قريش نفسها لا بالحرب، ولكن بالإيمان أو الأمان.
وأبو سفيان يتحسس الأخبار، لأنه توجس خيفة بعد الغدر، وتوقع من محمد صلى الله تعالى عليه وسلم عملا لحماية من دخلوا فى عهده، ولأنه أصبح فى حل من الصلح الذى صالحوه عليه، إذ نقضوه من جانبهم، فهو عليهم رد ولا سبيل لأن يدفعوا بعهد نقضوه.
والتقى الصديقان، وكان لقاء فيه خير، إذ انتهى بإسلام أبى سفيان، وضمه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بعد أن أرضى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقد بذل العباس فى ذلك جهدا، خصوصا عندما اشتد عمر رضى الله تعالى عنه، وما كنا لنقر العباس رضى الله عنه فى قوله لعمر لو كان من عدى ما وقف فى هذا، فعمر لا يمكن أن يؤثر قرابة فى قول الحق، وهو الذى قال فيه صلى الله تعالى عليه وسلم:«إن الله كتب الحق على لسان عمر وقلبه» ومهما يكن من تلك الكلمة، فإن العباس رضى الله تعالى عنه، قد كانت سياسته حكيمة فى ضم أبى سفيان، فإنه كان له أثر فى حقن الدماء، ومنع الحرب.
لقد قال من بعد ذلك العباس لأبى سفيان يحرضه على السرعة فى الذهاب إلى قريش يسكنها قال له النجاء إلى قومك، أى السرعة المنجية.
فلما جاءهم صرخ بأعلى صوته، يا معشر قريش قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن، قالوا له قاتلك الله، وما تغنى عنا دارك، قال ناقلا عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد، فهو آمن.
وبهذا تهيأت النفوس للإسلام إلا بعض الذين أكل الحقد قلوبهم، وسيطر عليهم النزع الجاهلي، ولم ينظروا إلى ما هو أمامهم، بل التفتوا إلى ما وراءهم، ولكنهم مع ذلك لم يجعلوها حربا،