فهؤلاء المتطرفون فى عداوتهم قد تجمعوا مع بنى بكر الذين كانت مناصرتهم سببا لخرق العهد، وقد تجمعوا فى منطقة الخندمة، فلما وصلها خالد ومن معه أمطروها وابلا من النبل، فاضطر خالد أن يقاتلهم حتى فرق جمعهم، وكانوا عددا قليلا يسهل تفريقه.
وأسلست قريش القياد، ولم تنفر، ورضيت بالبقاء، ولم يقتل من أصحاب خالد إلا اثنان قد ضلا وشذا بالانفراد، فيظهر أنهما قد تمكن الأعداء منهما، وكان فى الذين هاجموا خالد بن الوليد بالنبل، صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل فانطلقا خارجين إلى البحر، ولم يقبلا أن يقيما مع محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة المكرمة أو تحت سلطانه.
بعد أن انهزم صفوان، اتجه إلى جدة، فقد روى ابن إسحاق قال: خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يا نبى الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربا، ليقذف نفسه فى البحر، فأمنه صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: هو آمن، قال يا رسول الله، فأعطنى آية يعرف بها أمانك، فأعطاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عمامته التى دخل بها مكة المكرمة، فخرج بها عمير حتى أدركه، وهو يريد أن يركب فى البحر، فقال: يا صفوان فداك أبى وأمي، الله الله فى نفسك أن تهلكها، فهذا أمان من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد جئتك به، قال: ويلك اغرب عنى فلا تكلمنى. قال: أى صفوان، فداك أبى وأمي، أفضل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس وخير الناس ابن عمك، عزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك، قال: إنى أخافه على نفسى؟ قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال صفوان: إن هذا يزعم أنك قد أمنتني، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، صدق قال: فاجعلنى فيه بالخيار شهرين قال: أربعة أشهر، هذا هو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فى خلقه، الرفيق اللين فى قوته المتواضع فى عزته يرجو العربى العنيف، ليستأمنه فيؤمنه، ولكنه يشترط لقبول الأمان الخيار شهرين.
ولقد جاءت إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أم حكيم زوج عكرمة بن أبى جهل فأسلمت، فاستأمنت لزوجها عكرمة فأمنه، وكان قد سبق صفوان، إلى اليمن وتخلف صفوان كما ذكرنا، فلحقت به إلى اليمن، فجاءت به فلما أسلم عكرمة بقيت معه زوجه أم حكيم، وكذلك كانت فاطمة بنت الوليد زوجا لصفوان بن أمية، فلما أسلم بقيت زوجه.
وقد بقيتا بالزواج الأول، وذلك أن من تسلم زوجه، وهو كافر يعرض عليه الإسلام، فإن أسلم بقيت الزوجية كما هى من غير عقد جديد، وذلك لأن الفرقة لا تكون بسبب الإسلام، وإنما تكون بسبب إباء الزوج الإسلام بعد العرض عليه.