ويلاحظ أنه كان فيهم رجل أدرك نية خالد يقال له جحدم، ولم يعتقد أنها نية إسلامية، قال لقومه، لما أمرهم خالد بأن يضعوا أسلحتهم: يا بنى جذيمة إنه خالد، إنه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا إسار، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق. انتقل رجل من القوم، وذهب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: هل أنكر عليه أحد؟ قال نعم: قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب، فاشتدت مراجعتهما فقال عمر بن الخطاب، أما الأول فابنى عبد الله يا رسول الله، وأما الآخر. فسالم مولى أبى حذيفة.
عندما بلغ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فعل خالد هذا رفع يده إلى السماء ضارعا: اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.
ولقد رأى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن فعل خالد لم يكن من الإسلام، ولعله رأى أنه بقية من بقايا الجاهلية.
أول ما فكر صلى الله تعالى عليه وسلم أن يرأب الصدع، ويداوى القلوب بالديات يرسلها، فدعا على بن أبى طالب، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:«يا على اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر فى أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك» . هذا أمر فى موضعه وفى وقته، فإن الجاهلية فى هذا الأمر قد بدت نائبة ظاهرة.
فخرج علي، ومعه مال كثير قد بعث به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فودى لهم الدماء، وما أصيب لهم من الأموال، حتى إذا لم يبق شيء من دم أو مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال، فقال لهم على حين فرغ منهم: هل بقى لكم دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا، قال: أعطيتكم هذه البقية احتياطا لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون.
جاء على إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقص عليه ما صنع فقال أحسنت وأصبت، ولكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يزال على ألم وأسي، ولذا استقبل القبلة قائما شاهرا يديه، حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه. «اللهم إنى أبرأ مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات» ، لقد أصاب فعل خالد قلب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لأنه قتل وهو مبعوثه أبرياء.
وقد ورد ما يدل على الاعتذار عن فعل خالد الذى لا يقبل الاعتذار، ولو كان عذر لأبداه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: قالوا إنهم قالوا صبأنا صبأنا، يريدون أسلمنا، فظنهم قد كفروا فقتلهم، وهذا كلام غير مقبول فى ذاته لأن سنده ضعيف، وما كان له أن يقاتلهم على ذلك، وقد تبين أنهم