ولقد جاء مالك بن عوف النضرى، فجمع الجموع. فاجتمع إليه من هوازن ثقيف كلها، واجتمع نضر وجشم كلها وعدد قليل من قيس بن عيلان.
وكان فى جشم شيخ له تجربة ودراية فى الحروب، وإن لم تكن له قوة على المنازلة لشيخوخته وهو دريد بن الصمة، ولما أراد النفير مالك بن عوف، أخذ مع الجيش النساء والمال ليستثير حميتهم بنسائهم وأموالهم فيندفعوا مقاتلين ليحموا نساءهم وأموالهم وذراريهم.
وقد ساروا بدريد بن الصمة فى شبه هودج، فسمع أصوات الأموال من النوق والحمير والنساء والصبيان، فقال: مالى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، وثغاء الشاة؟ قالوا: ساق مالك ابن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فقال: أين مالك؟ فجيء به إليه فقال له:
يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، مالى أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، وثغاء الشاة؟ قال: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم.
قال ولم ذلك؟ قال أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم. فانقض به (أى زجره) وقال: راعى ضأن. أى لست بمقاتل. وهل يرد المنهزم شيء، إنها إن كانت لك، لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت فى أهلك ومالك.
ولكنه لم يطعه مالك بن عوف ولكن هوازن أطاعوه «١» .
وقد ترامى إلى سمع الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم همس بما دبروا، فأرسل إليه من يأتيه بجملة أمرهم وأمره أن يدخل فى الناس ليعرف حالهم ويأتيه بأخبارهم، فأقام فيهم، حتى سمع ما أجمعوا عليه من حرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وسمع من مالك بن عوف وهوازن فجاء وأخبر الرسول.
فأخذ الرسول الكريم المدافع عن الحق يستعد لهم ويلقاهم. وذكر له أن عند صفوان بن أمية دروعا وسلاحا فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك ولعله كان فى المدة التى جعل لنفسه الخيار فيها، بين البقاء على ما هو عليه والإسلام، فقال له: يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلق به عدونا غدا، فقال صفوان: أغصبا يا محمد؟ قال عليه الصلاة والسلام: بل عارية مضمونة نردها إليك، قال: ليس بهذا من بأس، فأعطاه مائة درع بما يكفيها من سلاح.
(١) كانت طاعة هوازن وقتية وعادت حين رفض مالك الطلب ونقلت كتب السير أنه قال: والله لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر عقلك، والله لتطيعني هوازن أو لأتكأن علي هذا السيف حتي يخرج من ظهري. وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي. فقالوا: أطعناك، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني. المراجع.