وقد انحاز رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات اليمين، ثم قال: أيها الناس هلم إلى أنا رسول الله محمد بن عبد الله.
ولكن الناس يفرون، وحمل بعضهم على بعض، وكان الفرار من غير المؤمنين الأولين قد أفسد نظام الجيش واضطرب الأمر، واختلط الحابل بالنابل.
ولقد ثبت مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أبو بكر وعمر، وثمانية من بنى هاشم صدقوا وآمنوا، وعلى رأسهم على بن أبى طالب، والعباس بن عبد المطلب، ولا نعد ثبات على للقرابة، بل لأن الثبات من شيمته أولا إذ هو فارس الإسلام كما قال النبى صلى الله عليه وسلم، ولإيمانه ثانيا، وقد يكون لقرابته ثالثا، فهى فى المرتبة الأخيرة من الأسباب.
وأما السبعة الباقون فإنا قد نقول للرحم دخل فيها، ولكن لا نحرمهم من الإيمان، خصوصا العباس فقد آمن بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فى أعقاب بدر وخرج مكرها فى بدر، فرضى الله تعالى عنه، وفى الوقت الذى كانت فيه الكفة راجحة لهوازن، وقبل أن يلبى نداء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المهاجرون الأولون والأنصار جرت أمور تدل على سبب الهزيمة.
أولها: وحدتهم فى الفكرة، وإن كانوا على ضلال، فالوحدة مع الشرك تثمر فى الحرب أكثر من العقيدة السليمة عند تفرق الأهواء والمنازع، ووجود ضعاف الإيمان مع أقويائه.
لقد كان فيهم رجل على جمل أحمر معه رمح طويل، فإن وجد هدفا لرمحه ضرب، وإن لم يجد هدفا رفع رمحه أمام جيش هوازن، والناس من خلفه يتبعونه.
ثانيها: أن التردد وروح الهزيمة ظهر من رجال من الألفين، فتكلم ناس من جفاة أهل مكة المكرمة. قال ابن إسحاق: لما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من جفاة أهل مكة المكرمة الهزيمة تكلم رجال بما فى نفوسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب:
«لا تنتهى هزيمتهم دون البحر» ، تلك أمانيه، وأخذ الطالع فى الأزلام رجاء أن تنبئه فى زعمه بأنها هزيمة ساحقة.
ولقد صرخ كلدة بن الحنبل، وهو مع صفوان بن أمية الذى كان لا يزال مشركا، إذ لم تمض المدة التى أخذ الخيار لنفسه فيها، صرخ كلدة هذا: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان الذى لم يعلن بعد إسلامه لهذا الذى ظهر فى الجيش مسلما، وقال ما قال. قال صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن.