للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقسمها بين الفاتحين، وصرف منها للمؤلفة قلوبهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب تأليفا لقلبه، وليدخله الإيمان أربعين أوقية من فضة، ومائة من الإبل، ولكنه لم يكتف بما أخذ بل طلب لابنه يزيد، فقال: ابنى يزيد، فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطوه أربعين أوقية، ومائة من الإبل، ولكنه الطمع، فقال ابنى معاوية فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل، فمعاوية كان من المؤلفة قلوبهم ليدخلها الإيمان فليذكر ذلك من يضعونه أمام على أو يناصرونه.

وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه، وأعطى النضر بن الحارث ابن كلدة، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفى خمسين وأعطى العباس بن مرداس أربعين، فقال فى ذلك شعرا، فكمل له مائة.

واختص من بعد ذلك زيد بن ثابت بإحضار الغنائم والناس، ثم فرقها على الناس، فكانت سهامهم لكل رجل أربعا من الإبل وأربعين شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنى عشر بعيرا، وعشرين ومائة شاة، وإنه مما يلاحظ أن المؤلفة قلوبهم الذين كانوا فى المعركة نظارة ينظرون، أخذوا أكثر نسبيا من المجاهدين، فبينما كان نصيب المجاهد فى الغنيمة التى استولى عليها بسيفه أربع نوق كان نصيب أبى سفيان المترقب مائة له ولكل واحد من أولاده مائة وله أربعون أوقية، ولكل واحد مثلها.

ولكن المؤمنين الصادقين فى إيمانهم ما كانوا ليعترضوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فهو الهادى وهو المرشد، وهو الداعى إلى الحق، والمؤلف للقلوب التى تتجه إليه، ولكيلا تنحرف عنه، وأولئك الذين ألفت قلوبهم ماديون، تجذبهم المادة أكثر مما يجذبهم الحق المجرد.

ولا يصح أن يفهم أحد أن ذلك شراء للإيمان، فإن الإيمان لا يشرى بالمال، ولكن يشترى بالإذعان للحق، ولكن أولئك أخذت منهم رياسة، وأخذ منهم سلطان، وهم كما عرف من ماضيهم لا يذعنون للحق المجرد، ولا للدليل، وفى دخولهم للإسلام، لا بد من تأليف قلوبهم للإسلام، وما يكتسبه الإيمان بدخول الإيمان قلوبهم أكثر ما نخسر من مال، ولقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لإمام الهدى على بن أبى طالب «لأن يهدى الله تعالى بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم» .

ويجب التنبيه هنا إلى أن كثيرين من أهل مكة المكرمة الذين يترددون فى الدخول فى الإسلام دخلوا فيه أفواجا أفواجا لما رأوا النصر المبين، والتأييد البين من الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>