والعطاء الذى أعطيه المؤلفة قلوبهم أهو من الخمس الذى وضع تحت تصرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لنفسه ولذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل الذى نص عليه فى قوله تعالى:
أكان عطاء المؤلفة قلوبهم من هذا الخمس؟ أم كان من أربعة الأخماس العامة؟
قال الشافعى ومالك رحمهما الله تعالى: هو من الخمس الذى يخص النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأربعة الأخماس قد وزعت على المحاربين ولأن أربعة الأخماس صارت حقا للفاتحين، ولا يؤخذ شيء من صاحب حق إلا بعد استئذانه، ولم يستأذنهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم تكن هذه العطايا من كل الخمس الذى كان تحت تصرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه مقسم على خمسة أحدها للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ ذلك من نصيبه هو.
ويرى الإمام أحمد أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عد ما أخذه هؤلاء من الأنفال وهى لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكما قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ (الأنفال: ١) .
وكأن الغنائم لا تقسم ابتداء، وليست حقا ثابتا للفاتحين بمجرد الفتح وإنما هى حق لهم بعد أن ينفل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما يرى نفله تقوية للدعوة، وتأليفا للقلوب وتقريب البعيد، وأنه يجب أن يعلم أن الحروب فى الإسلام ما كانت لجمع الغنائم وإنما كانت لدفع الاعتداء وفتح الطريق أمام الدعوة، فما يكون للدعوة بتأليف القلوب أجدى من غيره، وأن الأنفال يكون التصرف فيها قبل توزيع الغنائم، إنما الغنائم بعد الأنفال والأنفال يكون التصرف فيها لمصلحة الدعوة الإسلامية.
وعلى هذا يكون الذى أعطاه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من الأنفال، فهل يكون لغيره من أمراء المسلمين وأئمتهم؟ ونقول فى الإجابة عن ذلك، إن ذلك يجوز إن كانوا كأبى بكر وعمر وعلى، وعمر بن عبد العزيز فلهم ذلك، لأن عدالتهم ودينهم يمنعانهم من أن يتخذوا أنفالا لغير المصلحة الحقيقية التى تعود إلى مصالح الإسلام والمسلمين، والدعوة الحق إلى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وغير هؤلاء الذين يكونون على غير ما هم عليه من العدل، والإيمان، يتخذون ذلك لهواهم، وتقريب الصديق، وإبعاد المستحق.