للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسلم، فنظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله هذا رجل ماش على الطريق فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «كن أبا ذر» فلما تأمله الناس قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذر فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «يرحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده، ويبعث وحده» .

وقد مات أبو ذر، وقد نفاه عثمان إلى الربذة، فمات وحيدا حتى عثر به فى الصحراء عبد الله بن مسعود، فدفنه، وبكاه، وقال صدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

ولقد كانت هذه الغزوة رحلة إسلامية إلى حيث آثار عاد وثمود، فمر بها، ولقد مر بالحجر، فسجى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثوبه على وجهه واستحث راحلته، ثم قال: لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم، إلا وأنتم باكون، خوفا من أن يصيبكم مثل ما أصابهم فهو يدعو إلى الاعتبار بالآثار، لا بمجرد التطواف بالرسوم من غير نظر إلى ما تدل.

وبينما المؤمنون سائرون أصابهم عطش شديد ولا ماء يروون به غلتهم، فشكوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فدعا عليه الصلاة والسلام واستسقى، فأرسل الله سحابة مملوءة ماء، فأمطرت، وألقت حمولتها، وارتوى الناس، واحتملوا معهم ماء يرويهم عند حاجتهم إلى الماء.

ولقد ضلت ناقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأخبر عن مكانها وبعث بعض الناس فوجدوها، وقد مضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى لأواء الصحراء وشدتها، والمؤمنون الذين نصحوا لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، يركبون الصعاب وهم حوله يعاونونه، ويشدون من أزره، وكان بعض الذين تخلفوا منهم منافقون لا يكتفون بأن يكونوا مع الخوالف، بل يتهكمون ويسخرون من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين، وهو فى منطلقه إلى تبوك يقولون: أتحسبون جلاد بنى الأصفر كقتال العرب، والله لكأننا بكم غدا مقرنين بالحبال يقولون ذلك إرجافا وترهيبا.

ولقد بلغ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما قالوا، فأتوا إليه يعتذرون بقول قائل إنما كنا نخوض ونلعب، فقال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ (التوبة: ٦٥) .

كان ذلك أمر الذين نصحوا لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأخلصوا، وهذا الذى ذكرناه شأن الذين رضوا بالقعود، وأولئك يقطعون الفيافى والقفار ليصلوا إلى الغاية التى يتحقق فيها أمر الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد وصلوا سالمين وعادوا سالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>