للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنترك الحديث عنهم وعن نفوسهم وعن معاملة المسلمين إلى الذى تحدث بخوالج نفسه، وما تلقاه وما كان فيه من صبر فريد وهو كعب بن مالك:

«جاء كعب بن مالك، فلما سلم عليه صلى الله تعالى عليه وسلم «تبسم له تبسم المغضب، ثم قال: فجئت أمشى حتى جلست بين يديه. فقال: ما خلفك! ألم تكن قد ابتعت ظهرك» .

فقلت: بلى والله، إنى لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا، ولكنى والله لقد علمت إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى على ليوشكن الله تعالى أن يسخطك على، ولئن حدثتك حديث صدق تجد فيه عليّ إنى لأرجو فيه عفو الله عنى والله ما كان لى من عذر، والله ما كنت قط أقوى منى ولا أيسر حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أما هذا فقد صدق فقم، حتى يقضى الله تعالى فيك، فقمت، وكان رجال من بنى سلمة، فاتبعونى يؤنبوننى فقالوا لى، والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لك، فو الله ما زالوا يؤنبوننى، حتى أردت أن أرجع، فأكذب نفسى ثم قلت لهم: هل لقى هذا معى أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل الذى قيل لك، فقلت من هما، قالوا مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية، فذكروا لى رجلين صالحين شهدا بدرا، فهما أسوة، فرضيت حين ذكرا لى، ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لى الأرض، فما هى بالتى أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة.. فأما صاحباى فاستكانا وقعدا فى بيوتهما يبكيان. وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم، فكنت أخرج وأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف فى الأسواق، ولا يكلمنى أحد، وآتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأسلم عليه، وهو فى مجلسه بعد الصلاة، فأقول فى نفسى هل حرك شفتيه يرد السلام على أم لا، ثم أجلس قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتى أقبل إلى وإذا التفت نحوه أعرض عنى، حتى إذا طال على ذلك من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبى قتادة، وهو ابن عمى وأحب الناس إلى، فسلمت عليه، فو الله ما رد على السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك الله، هل تعلمنى أحب الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، فسكت، فعدت له لنشدته، فقال: الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم أعلم، ففاضت عيناى وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشى بسوق المدينة المنورة وإذا نبطى من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه فى المدينة المنورة يقول من يدل على كعب بن مالك. فطفق الناس يشيرون إلى حتى إذا جاءنى دفع إلى كتابا من ملك غسان فإذا فيه:

<<  <  ج: ص:  >  >>