للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأراد عبد المطلب أن يعرف مدى هذه الرؤيا التى راها، فسأل من يعبر له رؤياه، فقيل له إنه يكون مولود من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض «١» . اجتمعت رؤياه، ورؤيا الأم الرؤم التى قصتها على الجد الكريم عندما بلغت بالمولود الذى بلغته بأنه مولوده فارتضى الاسم الذى أفهمت به رؤيا الأم وهو محمد.

صلوا عليه وسلموا تسليما ... فالله قد صلى عليه قديما

وحباه بالخلق العظيم فأبشروا ... يا مادحين لذاته تكريما

لم يكن هذا الاسم معروفا عند العرب، ولقد ذكر علماء السيرة أنه لم يسم به أحد فى الجاهلية إلا ثلاثة تسموا بهذا الاسم فى عصر ولادة النبى عليه الصلاة والسلام.

وقد قال صاحب كتاب الروض الأنف فى ذلك: «لا يعرف من تسمى بهذا الاسم قبله صلّى الله عليه وسلّم إلا ثلاثة طمع اباؤهم حين سمعوا بذكر محمد صلّى الله عليه وسلّم وقرب زمانه، وأنه يبعث فى الحجاز أن يكون ولدا لهم. ذكرهم ابن فورك فى كتاب الفصول، وهم محمد بن سليمان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر، والاخر محمد بن أحيحة الجلاح، والاخر محمد بن حمران بن ربيعة. وكان اباء هؤلاء قد وفدوا على بعض الملوك، وكان عنده علم من الكتاب الأول، فأخبرهم بمبعث النبى صلّى الله عليه وسلّم، وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا، فنذر كل واحد منهم إن ولد له ولد سماه محمدا.

سقنا هذه القصة لنثبت منها ندرة الذين سموا ولدا لهم محمدا، إذ لم يكن معروفا ذلك الاسم عند العرب، ونكاد نوافق على حصر العدد فى ثلاثة، وإذا فرض وكان أكثر فإنه لا يتجاوزه بكثير، سواء أصح السبب الباعث على التسمية أم لم يصح، فإن تلك التسمية لم تعرف إلا قرب مولد النبى صلّى الله عليه وسلّم، وإنا نميل إلى صدق هذا الباعث لأن التبشير برسول اسمه أحمد كان معروفا فى أوساط أهل الكتاب اليهود والنصارى، وإن أنكر أكثر اليهود رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم ودعوته لهم: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ «٢» ، وَجَحَدُوا بِها، وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ «٣» .

وقد اختيرت هذه التسمية من الله تعالى، ولنذكر إشارة إلى ما فى هذه التسمية من معنى يفهم بمقتضى قراءة اللغة، ذلك إن صيغة التفعيل تدل على تجدد الفعل وحدوثه وقتا بعد اخر بشكل مستمر متجددا انا بعد ان، فيقال إذا تكرر ذلك الفعل. وعلى ذلك يكون محمد أى يتجدد حمده انا بعد ان بشكل مستمر حتى يقبضه الله تعالى إليه. وذلك لأنه تكون منه فعال الخير المتجددة وقتا بعد اخر، فهو


(١) الاكتفاء ص ١٦٨ من الجزء الأول.
(٢) سورة البقرة: ٨٩.
(٣) سورة النمل: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>