والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يستقبل الفريقين، فمن طلب الحق واستقامت نفسه استجاب للحق، وأسلم، ومن ركبته الأهواء، حاول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إزالة الغشاوة التى تنسجها الأوهام، ومن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يريد الهداية للجميع، ولكن الله تعالى يقول: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (القصص: ٥٦) .
ومن هذا الصنف الثانى قوم مسيلمة الكذاب، وهو وفد بنى حنيفة.
جاء وفد بنى حنيفة، وفيهم مسيلمة، وقد ستروه بثياب والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى يده عسيب من سعف النخل، وقد سأله مسيلمة بعض ما تحت سلطانه، فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: لو سألتنى هذا العسيب الذى بيدى ما أعطيتكه، وإن الشر لا يظهر إلا فى أشرار، فقومه هم الذين شجعوه على ذلك، وكذلك قال لقومه: أما إنه ليس بشركم.
وكان مسيلمة قبل أن يحضر قومه كتب للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم كتابا قال فيه:
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله:
«أما بعد فإنى أشركت فى الأمر معك، وإن لنا نصف الأمر، ولقريش نصفه، وليس قريش قوما يعدلون» .
قدم رسوله على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا الكتاب.
فكتب إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى مسيلمة، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
وقدم من عند مسيلمة هذا رسولان قيل إنهما قدما بالكتاب الذى ذكرناه عنه، فقال لهما محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:«تشهدان أنى رسول الله، فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال محمد صلى الله تعالى عليه وسلم: لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما» .
أتى بنو حنيفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهم على هذه الحالة النفسية، وعلى هذا الضلال العقلى، ولكن منهم من أسلم، ومع ذلك ارتدوا من بعد، ولقد استهواهم ضلال مسيلمة الكذاب عن الحق، وذلك بسبب العصبية الجاهلية، حتى كان قائلهم يقول: كاذب ربيعة خير من صادق مضر.