للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَجُوزُ للمُجتهدِ أن يُخالِفَ ما أُجمِعَ عليه؛ لأنَّ المُجمَعَ عليه لا يُمكِنُ أن يَكُونَ خلافَ حُكْمِ اللهِ، فإفادةُ اليقينِ بمِثْلِ هذه القَرينةِ مُسَلَّمٌ، ولكنَّ المَتنَ القَطعيَّ إذا خلا عن هذه القَرينةِ لا (١) يُفيدُ قطعًا، ويَظهَرُ ذلك في: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (٢)، وفي: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (٣)، فإنَّ المتنَ في الكلِّ سواءٌ، مَعَ أنَّ المُرادَ مِن الأوَّلِ قطعيٌّ دونَ الثَّاني (٤).

(وَ) قَالَ الشَّيخُ: عندَ السَّلَفِ (لَا يُعَارِضُ القُرْآنَ غَيْرُهُ بِحَالٍ، وَحَدَثَ مَا قِيلَ: أُمُورٌ قَطْعِيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ تُخَالِفُ القُرْآنَ) (٥) انتهى.

(وَ) ذَهَبَ أهلُ العِلمِ مِن الأئمَّةِ الأربعةِ وغيرِهم إلى أنَّه (لَا مُنَاسَبَةَ ذَاتِيَّةً) أي: طبعيَّةً (بَيْنَ لَفْظٍ وَمَدْلُولِهِ)؛ لِما تَقَدَّمَ مِن المُشتَركِ للشَّيءِ وضِدِّه، كالقُرءِ، والجَوْنِ، ونحوِهما، وللشَّيءِ ونقيضِه، ولاختلافِ الاسمِ، لاختلافِ الأُمَمِ مع اتِّحادِ المُسَمَّى، وإنَّما اختصَّ كلُّ اسمٍ بمَعنًى بإرادةِ الفاعلِ المختارِ.

(وَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ) إذا أَتَى له مَعنيانِ أو أكثرُ، ولكنَّ الأصلَ فيه مَعنًى، والمعنى الآخَرُ طارئٌ، فيُقَدَّمُ ما كانَ هو الأصلَ عندَ احتمالِ التَّعارُضِ، فإنِ احتَفَّتْ قرائنُ بإرادةِ غيرِ ذلك اتُّبعَ، فمن ذلك: إذا دارَ اللَّفظُ بينَ كونِه حقيقةً أو مجازًا مَعَ الاحتمالِ: كالأسدِ مَثلًا للحيوانِ المُفتَرسِ حقيقةً، وللرَّجلُ الشُّجاعِ مَجازًا، حُمِلَ (عَلَى:

(١) حَقِيقَتِهِ) لأنَّها الأصلُ، والمجازُ خِلافُ الأصلِ، وتَقَدَّمَ حُكْمُ المجازِ الرَّاجحِ، والحقيقةِ المرجوحةِ.


(١) ليست في (د).
(٢) الأنعام: ٧٢.
(٣) البقرة: ٢٢٨.
(٤) «الدُّرَرُ اللَّوامِعُ في شَرحِ جَمْعِ الجَوَامِعِ» (١/ ٤٢٨ - ٤٢٩).
(٥) ينظر: «التحبير شرح التحرير» (٢/ ٧١١)، و «أصول الفقه» (١/ ١٤٧).

<<  <   >  >>