للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ: فالنَّاقصُ هو النَّظَرُ المُطلَقُ في تَعَرُّفِ الحُكْمِ. وتَختلِفُ مَرَاتِبُهُ بحَسَبِ الأحوالِ، والتَّامُّ هو استفراغُ القوَّةِ النَّظريَّةِ حَتَّى يَحُسَّ النَّاظِرُ مِن نَفسِه العجزَ عن مزيدِ طلبٍ،

ومِثالُه: مثالُ مَن ضاعَ منه دِرهمٌ في التُّرابِ فقَلَّبَه برِجلِه، فلم يَجِدْ شيئًا فتَرَكَه وراحَ، وآخَرُ إذا جَرى له ذلك جاءَ بغربالٍ فغَرْبَلَ التُّرابَ حَتَّى يَجِدَ الدِّرهمَ، أو يَغلِبَ على ظَنِّه أنَّه ما عادَ يَلْقَاه، فالأوَّلُ اجتهادٌ قاصرٌ، والثَّاني تامٌّ (١).

(وَشَرْطُ مُجْتَهِدٍ) يَعني المجتهدَ المطلقَ (كَوْنُهُ فَقِيهًا، و) الفقيهُ (هُوَ العَالِمُ (٢):

(١) بِأُصُولِ الفِقْهِ) أي: له قُدرةٌ على استخراجِ أحكامِ الفقهِ مِن أدِلَّتِها، (وَ) العالمُ بـ (مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ) أصولُ الفقهِ، وهي الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ والقِيَاسُ والاستدلالُ والأصولُ المختلَفُ فيها، وما يُعتَبَرُ للحُكمِ في الجملةِ مِن حيثُ يُعتَبَرُ ذلك للحُكمِ، أو مِن حيثُ الكيفيَّةُ؛ كتقديمِ ما يَجِبُ تأخيرُه، وتأخيرِ ما يَجِبُ تقديمُه؛ لأنَّ ذلك كلَّه آلةٌ للمجتهدِ كالقدومِ ونحوِه للنَّجَّارِ والقلمِ للكاتبِ.

(٢) (وَ) العالِمُ (بِالأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مُفَصَّلَةً، وَ) بـ (اخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا) فيَضمَنُ ذلك أنْ يَكُونَ عندَه سَجِيَّةٌ وقُوَّةٌ يَقتَدِرُ بها على التَّصرُّفِ بالجمعِ والتَّفريقِ والتَّرتيبِ، والتَّصحيحِ والإفسادِ، فإنَّ ذلك مِلاكُ صناعةِ الفقهِ.

قالَ الغزَّالِيُّ: إذا لم يَتَكَلَّمِ الفقيهُ في مسألةٍ لم يَسمَعْها ككلامِه في مسألةٍ سَمِعَها، فلَيْسَ بفقيهٍ (٣).

وليسَ المرادُ أنَّ يَعرِفَ سائرَ آياتِ القرآنِ وأحاديثِ السُّنَّةِ، بل (فَـ)


(١) «شرح مختصر الروضة» (٣/ ٥٧٦).
(٢) قوله: كونه فقيهًا وهو العالم. في «مختصر التحرير» (ص ٢٥٥): وهو الفقيه: العلم.
(٣) ينظر: «تشنيف المسامع» (٤/ ٥٥٦)، و «الغيث الهامع» (ص ٦٩٥).

<<  <   >  >>