للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَهُمَا لُغَةً: الدُّعَاءُ وَالتَّصْدِيقُ) يَعني أنَّ الصَّلَاةَ في اللُّغةِ: الدُّعاءُ، والإيمانَ في اللُّغةِ: التَّصْدِيقُ (بِمَا غَابَ) قَوْلًا كانَ، أو فِعلًا، قَالَ اللهُ تَعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} (١).

فائدةٌ: مَذهَبُ السَّلفِ قَاطِبَةً: أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنْقُصُ، قَالَ النَّوويُّ: «والأظهرُ المُختارُ: أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنْقُصُ بكثرةِ النَّظَرِ ووضوحِ الأَدِلَّةِ، ولهذا كانَ إيمانُ الصِّدِّيقينَ أَقْوَى مِن إيمانِ غيرِهم، بحَيثُ لا يَعتَريه شُبهةٌ» (٢).

ويُؤَيِّدُه أنَّ كلَّ أحدٍ يَعلَمُ أنَّ ما في قَلْبِه يَتَفَاضَلُ، حَتَّى إنَّه يَكُونُ في بعضِ الأحيانِ أعظمَ يَقينًا وإخلاصًا وتَوَكُّلًا منه في بَعضِها، وكذلك في التَّصديقِ والمعرفةِ، بحَسَبِ ظُهورِ البَراهينِ وكَثْرَتِها.

(وَيَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ) نصًّا، بأنْ يَقولَ: «أنا مُؤمنٌ إنْ شاءَ اللهُ»؛ للتَّبَرُّكِ بذِكْرِ اللهِ تَعالى، والتَّأدُّبِ بإحالةِ الأمورِ إلى مشيئةِ اللهِ تَعالى، والتَّبَرُّءِ مِن تزكيةِ النَّفْسِ والإعجابِ بحالِها، والتَّرَدُّدِ في العاقبةِ والمآلِ.

وأيضًا التَّصديقُ: الإيمانُ المَنُوطُ به النَّجاةُ، أمْرٌ قلبيٌّ خَفيٌّ، له مُعارِضاتٌ خَفِيَّةٌ كثيرةٌ مِن الهَوَى، والشَّيطانِ، والخِذلان، فالمرءُ وإنْ كانَ جازمًا بحصولِه، لكنْ لا يُؤْمَنُ أنْ يَشُوبَه شيءٌ مِن مُنافِيَاتِ النَّجاةِ، وَلَا سِيَّمَا عندَ تفاصيلِ الأوامرِ والنَّواهي الصَّعبةِ المُخالفةِ للهَوَى، والمُسْتَلَذَّاتِ مِن غيرِ عِلْمٍ له بذلك، فلذلك نُفَوِّضُ حُصولَه إلى مشيئةِ اللهِ تَعالى.


(١) يوسف: ١٧.
(٢) «شرحُ النَّوويِّ على مسلمٍ» (١/ ١٤٨).

<<  <   >  >>