وقالَ قومٌ: كلُّ خبَرٍ لم يُعلَمْ صِدقُه: كذبٌ، وقولُهم ذلك باطلٌ، واستدلُّوا لقولِهم بأنَّه لو كانَ صدقًا لنُصِبَ عليه دليلٌ، كخبَرِ مُدَّعِي الرِّسالةِ، فإنَّه إذا كانَ صدقًا دلَّ عليه بالمُعجزةِ، وهذا الاستدلالُ فاسدٌ لجَرَيانِ مِثْلِه في نقيضِ ما أَخْبَرَ به إذا أَخْبَرَ به آخَرُ، فيَلْزَمُ اجتماعُ النَّقيضينِ، ويُعلَمُ بالضَّرورةِ وقوعُ الخبَرِ بهما؛ أي: بالإخبارِ بشيءٍ وبنقيضِه؛ أي: ليسَ هذا مُحالًا أن يَقَعَ، بل هو معلومُ الوقوعِ.
وأيضًا فإنَّه يَلزَمُ العلمُ بكذبِ كلِّ شاهدٍ؛ إذْ لا يُعلَمُ صدقُه بدليلٍ، والعِلمُ بكَذِبِ كلِّ مسلمٍ في دَعوى إسلامِه؛ إذْ لا دليلَ على ما في باطنِه، وذلك باطلٌ بالإجماعِ والضَّرورةِ.
وأمَّا القياسُ على خبَرِ مُدَّعي الرِّسالةِ فلا يَصِحُّ؛ لأنَّه لا يُكَذَّبُ لعدمِ العِلمِ بصِدقِه بل للعِلمِ بكذبِه؛ لأنَّه بخلافِ العادةِ، فإنَّ العادةَ فيما يُخالِفُها أن يُصدَّقَ بالمُعجزةِ.
(وَمَدْلُولُهُ) أي: الخبَرِ: (الحُكْمُ بِـ) ثُبوتِ (النِّسْبَةِ، لَا ثُبُوتُهَا) أي: لا نَفْسُ الثُّبوتِ، فإذا قُلْتَ: زيدٌ قائمٌ، فمَدلولُه: الحُكْمُ بقيامِه، لا نفسُ ثُبُوتِ قيامِه؛ إذْ لو كانَ الثَّاني لَزِمَ منه ألَّا يَكُونَ شيءٌ مِن الخبَرِ كَذِبًا، بل يَكُونُ كُلُّه صدقًا، قالَه الرَّازيُّ (١) وجمعٌ.