للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

يَمتنعُ نسخُ جميعِ القُرآنِ إجماعًا؛ لأنَّه مُعجزةُ نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- المستمرَّةُ على الَّتأبيدِ؛ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (١) أي: لا يَأْتي ما يُبطِلُه، وأمَّا نسخُ بعضِه فهو جائزٌ عندَ الأربعةِ وغيرِهم، وفي كيفيَّةِ وقوعِه ثلاثةُ أنواعٍ: ما نُسِخَ تلاوتُه وحُكمُه باقٍ، وما نُسِخَ حُكمُه فقطْ وتلاوتُه باقيةٌ، وما جُمِعَ فيه نَسخُ التِّلاوةِ والحُكمِ.

إذا عَلِمْتَ ذلك، فـ (يَجُوزُ نَسْخُ التِّلَاوَةِ) لكلماتِ القرآنِ (دُونَ الحُكْمِ) الَّذِي دلَّتْ عليه الكلماتُ المنسوخةُ.

مثالُه: ما رَوَاه مالكٌ (٢) وغيرُه عن عمرَ أنَّه قال: إيَّاكم أن تَهلِكُوا عن آيةِ الرَّجمِ، أو يَقُولَ قائلٌ: لا نَجِدُ حَدَّينِ في كتابِ اللهِ؛ فلقد رَجَمَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، والَّذي نفسي بيدِه! لولا أن يَقُولَ النَّاسُ: زادَ عمرُ في كتابِ اللهِ لأَثْبَتُّها: «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا البَتَّةَ» فإنَّا قد قَرَأْناها.

قالَ في «الواضح»: في قولِه: الشَّيخُ والشَّيخةُ عَلَّقَه على الشَّيخينِ لإحصانِهما غالبًا (٣).

فالمرادُ بالشَّيخِ والشَّيخةِ المُحصنانِ، حَدُّهما الرَّجمُ بالإجماعِ، والمرادُ بما قَضَيَا مِن اللَّذةِ، فهذا الحُكمُ فيه باقٍ واللَّفظُ مرتفعٌ؛ لرجمِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ماعزًا والغامِديَّةَ واليهوديَّينِ، وفي روايةِ أحمدَ (٤) وابنِ حبَّانَ (٥): أنَّها كانَتْ في سورةِ الأحزابِ.


(١) فصلت: ٤٢.
(٢) «الموطأ» (٦٣١).
(٣) «الواضح في أصول الفقه» (١/ ٢٤٧).
(٤) «مسند أحمد» (٢١٢٠٧).
(٥) «صحيح ابن حبان» (٤٤٢٨).

<<  <   >  >>