للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

(ارْتِدَادُ الأُمَّةِ) الإسلاميَّةِ في بعضِ الأعصارِ (جَائِزٌ عَقْلًا) أي: في تَصَوُّرِ العقلِ قطعًا؛ لأنَّه ليسَ بمُحالٍ، ولا يَلْزَمُ منه مُحالٌ، و (لَا) يَجُوزُ ارتدادُها (سَمْعًا) في الأصحِّ، لأدلَّةِ الإجماعِ، وقولِه -عليه الصلاة والسلام-: «أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ» (١)، وانعقاد (٢) الإجماعِ.

(وَيَجُوزُ اتِّفَاقُهَا على جَهْلِ مَا) أي: شيءٍ (لَمْ تُكَلَّفْ بِهِ) في الأصحِّ، لعدمِ الخطأِ بعدمِ التَّكْلِيفِ: كتفضيلِ عمَّارٍ على حذيفةَ، وعكسِه، ولأنَّ ذلك لا يَقدَحُ في أصلٍ منَ الأصولِ، أمَّا ما كُلِّفوا به: فيَمتَنِعُ جهلُ جميعِهم، ككونِ الوترِ واجبًا أم لا، ونحوِه.

و (لَا) يَجوزُ (انْقِسَامُهَا) أي: الأُمَّةِ (فِرْقَتَيْنِ كُلُّ فِرْقَةٍ) منها (مُخْطِئَةٌ فِي مَسْأَلَةٍ مُخَالِفَةٍ) للمَسألةِ (الأُخْرَى) مِثْلُ أن يَقولَ البعضُ بأنَّ العبدَ يَرِث، ويَقولُ الباقي بأنَّ القاتلَ يَرِثُ؛ [فلا يَجُوزُ] (٣) لأنَّه إجماعٌ على الخطأِ.

ومَثَّلُوا أيضًا باتِّفاقِ شَطرِ الأُمَّةِ على أنَّ التَّرتيبَ في الوضوءِ واجبٌ، وفي الصَّلاةِ الفائتةِ غيرُ واجبٍ، والفرقةُ الأُخرى على عكسِ ذلك في الصُّورتَينِ، فذَهَبَ الأكثرُ إلى المنعِ؛ لأنَّ خَطَأَهم في المسألتينِ لا يُخرِجُهم عن أنْ يَكُونوا قدِ اتَّفقوا على الخطأِ ولو في المسألتينِ، وهو منفيٌّ عنهم، أمَّا إنْ أَخطَأَ كلُّ فريقٍ في مسألةٍ أجنبيَّةٍ عنِ المسألةِ الأخرى: جازَ، فإنَّا نَقطَعُ أنَّ كلَّ مجتهدٍ يَجُوزُ أنْ يُخطِئَ، وما مِن مذهبٍ مِن المذاهبِ إلَّا وقد وَقَعَ فيه ما يُنْكَرُ ولو قَلَّ، فهذا لا بدَّ للبشرِ منه.


(١) سبق تخريجُه.
(٢) في (د): وانعقد.
(٣) ليست في (ع).

<<  <   >  >>