أي: بذلك الفعلِ، (دَلَّ) سُكوتُه (عَلَى جَوَازِهِ) حَتَّى لغيرِ الفاعلِ، أو القائلِ في الأصحِّ؛ لأنَّ الأصلَ استواءُ المُكلَّفِينَ في الأحكامِ، وأمَّا إذا صَدَرَ مِن الكافرِ فِعلٌ يَعتقدُه كذَهابِه إلى كنيسةٍ ونَحوِها، فلا أَثَرَ له اتِّفاقًا ولم تَتَقَيَّدِ المسألةُ بكونِه قادرًا عليه؛ لأنَّ مِن خصائصِه -صلى الله عليه وسلم- أنَّ وجوبَ إنكارِه المُنكَرَ لا يَسقُطُ عنه بالخوفِ على نَفسِه، وإن كانَ ذلك إِنَّمَا هو لعَدمِ تَحَقُّقِ خوفِه بعدَ إخبارِ اللهِ عنه بعِصمَتِه مِن النَّاسِ.
(وَإِنْ) كانَ ذلك الفعلُ، أو القولُ الواقعُ بحَضْرَتِه، أو زَمَنِه، مِن غيرِ كافرٍ، قد (سَبَقَ تَحْرِيمُهُ؛ فَـ) سُكُوتُه -صلى الله عليه وسلم- عن إنكارِه (نَسْخٌ) لذلك التَّحريمِ السَّابقِ؛ لِئلَّا يَكُونَ سُكُوتُه مُحَرَّمًا، ولأنَّ فيه تأخيرَ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ، لا سِيَّمَا إنِ اسْتَبْشَرَ به.
(فَائِدَةٌ)
(التَّأَسِّي: فِعْلُكَ كَمَا فَعَلَ) النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، (لِأَجْلِ أَنَّهُ فَعَلَ) والتَّأسِّي في التَّرْكِ: تَرْكُك له كما تَرَكَ؛ لأجلِ أنَّه تَرَكَ، هذا في الفِعْلِ وتَركِه.
(وَ) أمَّا التَّأسِّي (فِي القَوْلِ) فهو (امْتِثَالُهُ) أي: امتثالُ القولِ (عَلَى الوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ) قولُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
(وَإِلَّا) بأنْ لم يَكُنْ كذلك في الكلِّ؛ (فَـ) هو (مُوَافَقَةٌ لَا مُتَابَعَةٌ) إذِ المُوافقةُ: المُشارَكَةُ (١) في الأمرِ وإن لم يَكُنْ لأجلِه، فالمُوافقةُ أعمُّ مِن التَّأسِّي، فكلُّ تأسٍّ موافقةٌ، وليس كلُّ موافقةٍ تَأَسِّيًا، فقد يُوافِقُ ولا يَتَأَسَّى، فلا بدَّ مِن اجتماعِهما لحصولِ المقصودِ، وهو المتابعةُ.