للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

(الِاجْتِهَادُ يَتَجَزَّأُ) بمَعنى أنَّه يَجُوزُ أن يَحصُلَ للإنسانِ منصبُ الاجتهادِ في بعضِ المسائلِ دونَ بعضٍ عندَ الأكثرِ؛ إذ لو لم يَتَجَزَّأِ الاجتهادُ لَزِمَ أن يَكُونَ عالمًا بجميعِ الجزئيَّاتِ وهو [محالٌ؛ إذ] (١) جميعُها لا يُحِيطُ بها بشرٌ، وقد سُئِلَ الأئمَّةُ الأربعةُ وغيرُهم عن مسائلَ، فأجابَ بأنَّه لا يَدري حَتَّى قاله مالكٌ في سِتٍّ وثلاثينَ مسألةً مِن ثمانٍ وأربعينَ مسألةً، وقد تَوَقَّفَ الشَّافعيُّ وأحمدُ بل الصَّحابةُ والتَّابعون رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهم أجمعينَ في الفتاوى كثيرًا، فلو كانَ الاجتهادُ المطلقُ في جميعِ الأحكامِ شرطًا في الاجتهادِ في كلِّ مسألةٍ على حِدَتِها، لَمَا كانَ هؤلاءِ الأئمَّةُ مُجتهدينَ لكنَّه خلافُ الإجماعِ، فدَلَّ على أنَّ ذلك لا يُشتَرَطُ.

(وَيَجُوزُ اجْتِهَادُهُ) أي: اجتهادُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَوَقَعَ) منه إجماعًا، قاله ابنُ مُفلحٍ (٢)، وذلك كقضيَّتِه (٣) -صلى الله عليه وسلم- معَ الأنصارِ لَمَّا رآهم يُلَقِّحون نَخْلَهم، وقولِه لهم: «لَوْ تَرَكْتُمُوهُ»، فتركوه، فطَلَعَ شيصًا، فقالَ لهم عن ذلك، فأخبروه بما قالَ لهم قبلَ ذلك، فقالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِدُنْيَاكُمْ» (٤).

(وَ) يَجُوزُ اجتهادُه -صلى الله عليه وسلم- (فِي أَمْرِ الشَّرْعِ عَقْلًا) عندَ الجمهورِ، (وَ) يَجُوزُ (شَرْعًا) وهو قولُ الأكثرِ، (وَوَقَعَ) اجتهادُه في أمرِ الشَّرعِ على الصَّحيحِ؛ لأنَّه لا يَلْزَمُ منه محالٌ، والأصلُ مشاركتُه لأُمَّتِه، ولقولِه تَعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} (٥) وهو عامٌّ في الرَّسولِ وغيرِه، فيَتَنَاوَلُه الأمرُ بالاعتبارِ، وهو الاجتهادُ.


(١) في «ع»: محل.
(٢) «أصول الفقه» (٤/ ١٤٧٠).
(٣) في «د»: لقضيته.
(٤) رواه مسلم (٢٣٦٣) من حديث عائشة وأنس -رضي الله عنهما-.
(٥) الحشر: ٢.

<<  <   >  >>