للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحدٍ أو في مسألةٍ واحدةٍ وجد فيه شروطُ الاجتهادِ بالنِّسبةِ إلى ذلك الفنِّ أو تلك المسألةِ، فلا يُشتَرطُ له ذلك، وجازَ له أن يَجتهِدَ فيما حَصَّلَ شروطَ الاجتهادِ فيه، كمَن عَرَفَ أصولَ الفرائضِ والحسابَ، وهو فقيهُ النَّفسِ فيها عارفًا بمعانيها، جازَ له أن يَجتهدَ في مسألةِ المشركةِ ومسائلِ المناسخاتِ، والجدِّ، والإخوةِ، والمفقودِ، ونحوِ ذلك، وإن لم يَكُنْ له معرفةٌ بمسائلِ البيعِ والنِّكاحِ والأخبارِ الواردةِ فيها، ونحوِها مِن مسائلِ الفروعِ.

(وَ) أمَّا (المُجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ إِمَامِهِ) يَعني مجتهدَ المذهبِ، وهو مَن يَنتحِلُ مَذهبَ إمامٍ مِن الأئمَّةِ فنَظَرُه في بعضِ نصوصِ إمامِه أي: (العَارِفُ بِمَدَارِكِهِ) أي: مَداركِ مذهبِ إمامِه (القَادِرُ عَلَى تَقْرِيرِ قَوَاعِدِهِ، وَ) على (الجَمْعِ) لمسائلِه (وَالفَرْقِ) بينَهما، والتَّصرُّفِ فيها كاجتهادِ إمامِه في نصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ.

وقالَ البِرْمَاوِيُّ وغيرُه: هو أنْ يَعرِفَ قواعدَ ذلك المذهبِ وأصولَه ونصوصَ صاحبِ المذهبِ، بحيثُ لا يَشِذُّ (١) عنه شيءٌ من ذلك، فإذا سُئِلَ عن حادثةٍ، فإنْ عَرَفَ نصًّا لصاحبِ المذهبِ فيها أجابَ به، وإلَّا اجتهدَ فيها على مذهبِه وخَرَّجَها على أصولِه.

ثم قالَ: ومرتبةٌ ثالثةٌ دونَ الثَّانيةِ، وهي مرتبةُ مجتهدِ الفُتيا الَّذِي تَسُوغُ له الفُتيا على مذهبِ إمامِه الَّذِي هو مُقَلِّدُه، فلا يُشتَرَطُ فيه ما يُشتَرَطُ في مجتهدِ المذهبِ، بل يُعتَبَرُ أنْ يَكُونَ مُتَبَحِّرًا في المذهبِ مُتَمَكِّنًا مِن ترجيحِ قولٍ على قولٍ، وهذا أدنى المراتبِ، ولم يَبْقَ بعدَه إلَّا العامِّيُّ ومَن في مَعناه (٢).


(١) في «د»: يسد.
(٢) «الفوائد السنية في شرح الألفية» (٥/ ٢٩٣).

<<  <   >  >>